كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)
وتخصيصُ العموم بمن خالفه منهما.
ومما يدل لبعض أهل الظاهر قولُه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} (¬1) [الأحزاب: 49]، فذكر لهن المتعة في هذه الآية.
إلا أن يصحَّ ما رُوي عن ابن المسيّبِ بتوقيفٍ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أنه روي عنه: أنه قال: كانَتِ المتعةُ لمنْ لم يُدخَلْ بها من النساء؛ لقوله تعالى في سورة الأحزاب: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} [الأحزاب: 49]، فنسخ ذلك بقوله تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (¬2) [البقرة: 237]، فيبطل هذا الدليل (¬3).
وبعيد أن يثبتَ مثلُ هذا النسخِ بتوقيفٍ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4).
فإن قلتم: فما الجوابُ عن آيةِ الأحزاب؟
قلنا: لا تَعارضَ بينها وبين آية البقرة؛ فإن آية الأحزاب عامة، والمرادُ
¬__________
= قسم بحكمه. انظر: "المغني" (10/ 140).
(¬1) انظر الاستدلال بها في "المقدمات الممهدات" لابن رشد (1/ 550).
(¬2) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (2/ 533). وانظر: "الدر المنثور" للسيوطي (1/ 698) وفيهما: أن سعيد بن المسيب قال في التي طلقت قبل الدخول وقد فرض لها: كان لها المتاع في الآية التي في سورة الأحزاب، فلما نزلت الآية التي في البقرة، جعل لها النصف من صداقها، ولا متاع لها، فنسخت آية الأحزاب.
وانظر: "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" لمكي (ص: 186)، و"الناسخ والمنسوخ" للنحاس (ص: 75)، و"نواسخ القرآن" لابن الجوزي (ص: 429).
(¬3) أي: الاحتجاج به، وإلا فهو لا يبطل؛ لأنه آية قرآنية.
(¬4) وقد ردَّ كلٌّ من النحاس وابن العربي أن يكون بين الآيتين نسخ. انظر: "الناسخ والمنسوخ" للنحاس (ص: 75)، و"الناسخ والمنسوخ" لابن العربي (2/ 99).
الصفحة 114
505