كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

فأما (¬1) اعتبارُ مالكٍ بالحَدِّ، ففاسدٌ؛ لأن الحدَّ حَقّ لله تعالى، ومبناه على الدَّرْءِ والإسقاط، والإيلاءُ حقّ للآدمي، ومبناه على التغليظ والاحتياط.
وأما اعتبارهُ بالطلاق، فأولى منه الاعتبار بمدة العُنَّة؛ لأن الشرع ضرب المدتين توسعةً للأزواج في إذا ما وجب (¬2).
وأضعف منه اعتبار أبي حنيفة بالعِدَّةِ؛ لأن الله سبحانه علَّق هذا الحكم بالرِّجالِ، وضرب هذا الأجل إنظاراً وتوسعةً، وعلَّقَ حكمَ العِدَّةِ بالنساء، فكيف يُعْتبرُ حكمٌ وجبَ للرجالِ بحُكْمٍ وجبَ على النساء (¬3)؟
* وعموم الآية أيضاً يقتضي صِحَّةَ الإيلاءِ من الرَّتْقاءِ (¬4) والقَرْناءِ (¬5)،
¬__________
= عبد البر (17/ 110)، و"المحلى" لابن حزم (10/ 49).
(¬1) في "ب": "وأما".
(¬2) قلت: يعني: إن مالكاً قال بأن مدة إيلاء العبد على النصف من مدة إيلاء الحر وهي شهران، وذلك قياساً على كون طلاق العبد على النصف من طلاق الحر، فكان الأولى أن يقيسه على أجَلِ العُنَّة، لأن كلاً من الحر والعبد إذا لم يُطِق جماعاً، فإنه يُضرب لكل منهما مدة، وهذه المدة متساوية بين العبد والحر، فكذلك كان ينبغي هنا أن يقول: مدة إيلاء العبد مثل مدة إيلاء الحر.
(¬3) قلت: يعني: إن قياس أبي حنيفة حال الإيلاء على حال العدة ضعيف، لأن الإيلاء هو حكم للرجال {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}، أما العدة فهي معلقة بالنساء {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}، فكيف يقاس ما هو للرجال على ما هو للنساء، فهذا قياس مع الفارق، والقياس مع الفارق لا يصح، فَضَعُفَ ما يقول به الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى.
(¬4) الرَّتَقُ: بالتحريك، مصدر قولك: رتقت المرأة رتقا، وهي رتقاء بينة الرتق: التصق ختانها فلم تنُل لارتقاق ذلك الموضع منها، فهي لا يستطاع جماعها، وفرجٌ أرتقُ: ملتزقٌ. انظر: "لسان العرب" (10/ 114)، مادة (رتق).
(¬5) القرناء من النساء: التي في فرجها مانع يمنع من سلوك الذكر فيه، إما لغدة =

الصفحة 17