كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

على أن المراد بآية البقرة: المطلقاتُ المدخولُ بهنَّ.
وما قاله هذا القائل لا يستقيمُ إلا على قولِ بعض الأصوليين: إن أول الآية يُخَصُّ بآخرها، وقد بينتُ ذلك في مقدمة كتابي هذا.
وقال الله سبحانه: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فيُخصّ بها عمومُ آيةِ البقرةِ.
- * وأمّا الخالياتُ عن (¬1) الحيضِ؛ لصغر، ومن انقطع دمُها لإياسٍ، فقال الله سبحانه فيهنَّ: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4].
فمنهم من قال: يُخَصُّ بها عموم آية البقرة؛ فإنها عامَّة فيهن.
- وقال بعضهم: إن آيةَ البقرة لا تتناولُهنَّ؛ لأن اللهَ سبحانه أمرَ المطلقاتِ في سورة البقرةِ أن يتربَّصْنَ بالأقراء، وهي مفقودةٌ منْ هؤلاءِ، فدل على أنهنَّ لم يُرَدْنَ (¬2).
وهذا القولُ حسن وصواب إنْ شاءَ اللهُ تعالى؛ لأن ذلك ليسَ في استطاعتهنَّ عادةً، ولا فِعْلاً، حتى يؤمرْنَ به، فلا نزاع في هذا، والله أعلم.
* وأما التي انقطع دمها.
فإن كانَ لعارضٍ معروفٍ كرَضاعٍ أو مرضٍ، تَرَبَّصَتْ عَوْدَه، واعتدَّتْ بالأقراء؛ لعمومِ قولهِ تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، ولمفهومِ قوله سبحانه: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4]، وروي ذلكَ عن عثمانَ وعليٍّ وزيدِ بنِ ثابتٍ وابنِ مسعودٍ
¬__________
(¬1) في "ب": "من".
(¬2) انظر: "تفسير الرازي" (3/ 2/ 93).

الصفحة 21