كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

منه شيئاً، من قال البتة، فقد رمى الغايةَ القصوى (¬1).
وهذا أيضاً باطلٌ؛ لما رويناه عن الشافعي قال: أخبرني عمِّي محمدُ بنُ عليِّ بنِ شافعٍ، عن عبد الله بنِ (¬2) السائبِ، عن نافعِ بن عجيرة بن عبد يزيد: أن رُكانةَ بن عبد يزيد طلَّق امرأته سُهَيْمَةَ البَتَّةَ، ثم أتى رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يارسول الله! إني طلقتُ امرأتي سهيمةَ البتة، واللهِ ما أردت إلاّ واحدة، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لركانةَ: "واللهِ ما أردتَ إلا واحدة؟ "، فقال رُكانةُ: واللهِ ما أردتُ إلَّا واحدةً، فردَّها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فطلقها ثانيةً في زمن عمر، والثالثةَ في زمن عثمان (¬3).
فلو كانت البتةُ في عهده واحدةً، لما حَلَّفَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأما قوله: إن عمر كان يرى البتةَ واحدةً، فلما رأى تتَابُعَ الناسِ، جعلها ثلاثاً، فليس بصحيحٍ؛ فقد أمر من طلق البتةَ أن يمسك أهله، ولم يحلفه وتكرر ذلك منه.
وإنما الذي حَمَلهم عليه عمرُ -رضي الله عنه- ما روى أيوبُ السَّخْتِيانيُّ عن غير واحد، عن طاوسٍ، عن ابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما- في قصة أبي الصَّهْباء قال: بلى، كان الرجلُ إذا طلقَ امرأته ثلاثاً قبلَ أن يدخلَ بها، جعلوها واحدةً على عهدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكرٍ، وصدراً من إمارة
¬__________
(¬1) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (2/ 550)، ومن طريقه الإمام الشافعي في "الأم" (5/ 139)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (18148).
(¬2) في "ب": "بن علي بن".
(¬3) رواه الإمام الشافعي في "مسنده" (ص: 153)، وأبو داود (2206)، كتاب: الطلاق، باب: في البتة، والدارقطني في "سننه" (4/ 33)، والحاكم في "المستدرك" (2808)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 342).

الصفحة 39