كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)
عمر، فلما أن رأى الناسَ تتابعوا فيها، قال: أجيزوهنَّ عليهم (¬1).
فإن قيل: فهذا مثلُ ما رويت عنه أولاً، ولم يختلفِ الحالُ إلا في المدخولِ بها، فلا يتمُّ جوابُك.
قلنا: ويشبه أن يكون المرادُ بالثلاث في غير المدخولِ بها الثلاث التي تترى وتتابع (¬2)؛ كقوله: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنت طالق.
فقد روى الشعبيُّ عن ابن عباسٍ في رجلٍ طلقَ امرأتَهُ ثلاثاً قبلَ أن يدخُلَ بها، قال: عقدة كانت بيده، أرسلها جميعاً، فإذا كانت تترى، فليس بشيء (¬3).
وقال عكرمةُ: شهدتُ ابنَ عباس جمعَ بينَ رجلٍ وامرأتِه طَلَّقها ثلاثاً، وفَرَّقَ بين رجل وامرأته طلقها ثلاثاً، أُتي في رجل قال لامرأته: أنتِ طالق، أنت طالق، أنت طالق، فجعلها واحدة، وأُتي في رجل قال لامرأته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ففرق بينهما.
فإن قلت: فكيف يمكنُ الجمعُ بين حديث ابنِ عباسٍ وحديثِ رُكانَة، وأن حديث ركانة يقتضي أن البتةَ توجبُ الثلاثَ، إلا أن يريدَ واحدةً، وحديثُ ابن عباسٍ يقتضي أن الثلاثَ كانت واحدة، وهنَّ أولى بإيجاب الثلاث من البتَّة؟
قلت: أما الجمع على مذهب مالكٍ فبيِّن، وذلك أنه لا يوقع الثلاثَ باللفظِ الصريح (¬4)، ويوقعها بالكنايات الظاهرة؛ كقوله: أنتِ طالقٌ البتةَ،
¬__________
(¬1) رواه أبو داود (2199)، كتاب: الطلاق، باب: نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث.
(¬2) هذا كلام البيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 338).
(¬3) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 339)، عن الشعبي.
(¬4) أي: اللفظ الصريح المفرد، لكن إن قال: هي طالق ونوى ثلاثًا وقع ما نوى.=
الصفحة 40
505