كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

قال: فإن قيل: فقد يحتملُ أن يكونَ رفاعةُ بَتَّ طلاقَها في مَرّاتٍ.
قلت: ظاهره في مرة واحدة، وبتَّ إنَّما هي ثلاثٌ إذا احتملَتْ ثلاثاً، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى يذوق عُسَيْلَتَكِ"، ولو كانت حَسَبَتْ طلاقَها بواحدة، كان لها أن ترجعَ إلى رفاعةَ بلا زوج.
فإن قيل: أطلَّق أحدٌ ثلاثاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
قيل: نعم، عُوَيْمِرٌ العَجْلانِيُّ طلقَ امرأتَهُ ثلاثاً قبلَ أن يخبره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنها تحرم عليه باللّعانِ، فلما أعلمَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهاه (¬1).
وفاطمةُ بنتُ قيسٍ تحكي للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ زوجَها بتَّ طلاقها، تعني -والله أعلم-: أنَّه طلقها ثلاثاً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليسَ لكِ عليهِ نفقة" (¬2)؛ لأنها -والله أعلم- لا رجعةَ لهُ عليها، ولم أعلمْه عابَ طلاقَ ثلاثٍ معاً.
قال: فلما كان حديثُ عائشةَ في رِفاعَةَ موافقاً ظاهرَ القرآن، وكانَ ثابتاً، كان أولى الحديثين أن يؤخذ به، والله أعلم، وإن كان ذلك ليس بالبيِّنِ فيه جداً.
قيل (¬3): ولو كان الحديثُ الآخر له مخالفاً، كان الحديثُ الآخر يكون
¬__________
= 550)، والبخاري (4960)، كتاب: الطلاق، باب: من أجاز طلاق الثلاث، ومسلم (1433)، كتاب: النكاح، باب: لا تحل المطلقة ثلاثًا لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره. وهذا لفظ مسلم.
(¬1) رواه البخاري (4959)، كتاب: الطلاق، باب: من أجاز طلاق الثلاث، ومسلم (1492)، في أول كتاب اللعان، عن سهل بن سعد الساعدي.
(¬2) رواه مسلم (1480)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها، عن فاطمة بنت قيس.
(¬3) "قيل" ليست في "أ".

الصفحة 42