كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

وعليٌّ (¬1)، ولم يخالفْهُما أحدٌ من الصحابة، فهو إجماع.
ودليلُهُ مخصِّصٌ لعموِم قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬2) [الإسراء: 15].
ولا التفاتَ إلى خلاف الأصَمِّ وابنِ عُلَيَّةَ والخوارِج في منعِ تَحَمُّلِ العاقِلَةِ، وتمسَّكوا بالآيةِ، وبالقياسِ، ولا دليلَ لهمْ معَ قِيام النصِّ والإجماع (¬3).
والحكمةُ في ذلك أن ديةَ المُسلم كثيرةٌ لا يطيقُها القاتلُ وحدَه إلا نادراً، ولا يمكنُ إهدارُ دمِ المقتولِ عندَ فقرِ القاتل، فكانتْ على عاقلته؛ حفظاً للدماء (¬4).
¬__________
= (11/ 48)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 320).
(¬1) إن كان القتل عمداً فقد اتفق الفقهاء على أن دية القتل العمد تجب على القاتل في ماله وحده، ولا تحملها العاقلة، أما إن كان شبه عمد أو خطأ فهي على العاقلة كما ذكر المصنف. انظر: "الموطأ" للإمام مالك (2/ 865)، و"مختصر المزني" (ص:238)، و "بداية المجتهد" لابن رشد (9/ 302)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (6/ 102).
(¬2) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (3/ 194)، و "المحلى" لابن حزم (10/ 401)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 309).
(¬3) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (12/ 340)، و "بدائع الصنائع" للكاساني (7/ 255).
(¬4) ذهب ابن حزم: إلى أن الحكمة تعبدية فقط، فهكذا أمرنا الشارع وما علينا إلا السمع والطاعة، والا فإن القول بعدم تحمل العاقلة هو الذي يؤيده العقل البشري، قال ابن حزم: لولا ما أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان هذا القول الذي لا يجوز خلافه، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي ولاه الله البيان عن مراده تعالى فقال: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
وذهب غيره إلى أن الحكمة مع أنها تعبدية قد تعقل في هذه المسألة وأنها =

الصفحة 446