كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

وقال جَلَّ جلالُه: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [النساء: 19]، والمراد: إذا جاءت بفُحْشٍ، أو نشُوزٍ، أو بفاحشة من زنى .... ، فهي لم تقم حدود الله، وهذا تخصيص يقيد إطلاق الآيتين.
وقد جاءت السنة ببيان ذلك وتحليله أيضاً؛ كما روت عَمْرَةُ بنتُ عبد الرحمن، عن حَبيبةَ بنتِ سهل: أنها أتتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في الغَلَس، وهي تشكو شيئا ببدنها، وهي تقول: لا أنا ولا ثابتُ بنُ قَيْس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا ثابتُ! خُذْ منها" فأخذ منها، وجلست (¬1).
* واختلفوا فيما إذا كانت الحال مستقيمة بين الزوجين، وتراضيا على الخُلْع (¬2).
- فقال مالك والشافعيُّ وأبو حنيفةَ وأكثرُ أهل العلم: يصحُّ الخُلْع (¬3)، ويحل له ما بذلَتْ له؛ لقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]، ولم يفرق.
- وقال النخعيُّ والزهريُّ وعطاءٌ وداودُ وأهلُ الظاهرِ وبكرُ بنُ عبدِ اللهِ المُزَنيُّ: لا يصحُّ الخُلْعُ، ولا يحلُّ له ما بذلت، واختاره ابنُ المنذرِ (¬4)؛ لما في الآيةِ من الحصر والتقييد.
¬__________
(¬1) رواه الإمام الشافعي في "مسنده" (ص: 263)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" (2272)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 313).
(¬2) الخُلْع: هو طلاق المرأة ببدلٍ منها أو من غيرها. ومثله المخالعة والتخالع. "القاموس" (مادة: خلع) (ص: 642).
(¬3) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (10/ 7)، و"المغني" لابن قدامة (10/ 271)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 1/ 130).
(¬4) وروي عن ابن عباس، وروي عن الإمام أحمد أنه يحرم في هذه الحال ويصح، =

الصفحة 45