كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)
وهذا المذهبُ وإن كان قويَّ الدِّلالة، فقولُ الجمهور أرجحُ دليلاً؛ لأن الله -سبحانه- حَرمَ الأخذَ من الأزواج مطلقاً، وقال: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 20 - 21] وبيَّنَ أن الأخذَ إنما يكونُ حراماً إذا كان على سبيل العَضْل (¬1) والمنعِ، وقال تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساه: 19]، فدليلُ هذا التخصيص يقتضي جوازَ الأَخذ إذا كان على غير (¬2) جهة المَنعْ والعَضْل، مع موافقةِ عموم (¬3) قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]، ولأنه إذا جاز الأكلُ من الذي تهبه وتَصَّدَّقُ بهِ من صَداقها، ولم يحصل لها به عوضٌ، فَلأَنْ يجوزَ الأكلُ منهُ مع حصولِ العِوَضِ أولى.
* ثم بيَّن الله سبحانه في سورة النساء أنه يجوزُ الأخذ على جهةِ العَضْل عندَ الإتيان بالفاحشة، فقال تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19].
¬__________
= لكن المذهب على أنه يصح مع الكراهة. انظر "الحاوي الكبير" للماوردي (10/ 7)، و "المحلى" لابن حزم (10/ 235)، و"المغني" لابن قدامة (10/ 271)، و "الفروع" لابن مفلح (5/ 343)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 1/ 129).
(¬1) عضَل المرأة عن الزوج: حبسها. وعَضَل الرجلُ أيِّمَه: يعضُلها ويعضِلها عَضْلاً، وعضّلها: مَنَعها الزوج ظلمًا، وأمَّا في قوله تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}، فإن العَضْل في هذه الآية من الزوج لامرأته، وهو أن يضارَّها ولا يحسن عِشْرتها ليضطرها بذلك إلى الافتداء منه بمهرها الذي أمهرها. "اللسان" (مادة: عضل) (11/ 451).
(¬2) "غير" ليست في "أ".
(¬3) "عموم" ليست في "أ".
الصفحة 46
505