كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

له توبةً، وأمرُه إلى الله تعالى، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه (¬1).
واختلفت بهم الطرقُ في الكلامِ على الآية.
فمنهم من ذهبَ إلى النسخ (¬2)، فقال: إنها منسوخةٌ بقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)} [النساء: 110].
وروي عن عليٍّ أنها منسوخةٌ بآيتين: آيةٍ قبلَها، وآيةٍ بعدها في النظم (¬3)، وهي قولُه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} إلى قوله: {فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} إلى قوله: {فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)} [النساء: 116].
والقول بالنسخ بعيدٌ؛ لما سأذكره بعدُ -إن شاء الله تعالى- من عدم التعارضِ بينهما.
وما روي عن عَليٍّ -رضيَ الله تعالى عنه - يجبُ حملُهُ على معنى قولِ ابنِ عمر -رضي الله تعالى عنهما -: كنا معشرَ أصحابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نشكُّ في قاتلِ المؤمن وآكلِ مالِ اليتيمِ وشاهدِ الزورِ وقاطعِ الرحمِ حتى نزلت: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116]، فأمسكنا عن الشهادة، يعني: الشهادة لهم بالنار (¬4).
ومنهم من ذهب إلى وقفِ حكمها على سَببها؛ فمن قتلَ مؤمناً متعمداً
¬__________
(¬1) انظر: شرح مسلم " للنووي (17/ 82) و (18/ 159)، و"تفسير ابن كثير" (3/ 328)، و"فتح الباري" لابن حجر (8/ 496).
(¬2) انظر: "نواسخ القرآن" لابن الجوزي (ص: 203).
(¬3) في "أ": "النساء".
(¬4) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (5/ 126)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 971).

الصفحة 460