كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

النساء، ويجوزُ تقييدها بها، وإن كانتْ متقدمةً في النزول عليها (¬1).
ولهذا قال مجاهدٌ: فجزاؤه جهنمُ خالداً فيها، إلا أن يتوبَ، لكن قولَهُ يقتضي أنه إذا لم يتبْ كان خالداً في النار، وليسَ الأمرُ كذلك عندَ أهلِ السنةِ (¬2).
والأولى أن يقيدَ إطلاقُها بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116]؛ فإنه سبحانه لم يقيدْ غفرانَه بالتوبة، وإنما قَيَّدَهُ بمشيئته سبحانه، ويكون المعنى: (فجزاؤه جهنم خالداً فيها إنْ جازاه، إلا أن يغفر اللهُ له)، فتعين حَمْلُ الآية على ما أَوَّلَها به السلفُ الصالحُ - رضي الله تعالى عنهم (¬3) -.
فإن قال قائل: فهلا خَصَصْتُمْ عمومَ قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} بقوله تعالى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}، ويكون المعنى: ويغفرُ ما دونَ ذلك لمن يشاء، إلا أن يكونَ قاتلاً متعمِّداً؛ فإنه لا يَغْفِرُ له، وتكون آيةُ القتلِ بياناً منه سبحانه أنه لم يشأ المغفرة له.
قلنا: إنما قيدنا آيهَ القتل بآية المغفرة؛ لوجوه دلَّت على ذلك:
أحدها: قوةُ دلالتها وبُعْدُها من التأويل؛ فإنها جمعتْ في دَلالتها بين
¬__________
(¬1) وليس التقييد مختص بآية الفرقان، فقبول التوبة من العمومات المعلومة في الدَّين، والآيات في ذلك كثيرة كقوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} وكذلك أحاديث قبول التوبة المطلقة كثيرة، ويؤيده حديث قبول توبة قاتل المئة نفس. انظر: "تفسير القرطبي" (5/ 334)، و"تفسير ابن كثير" (3/ 328).
(¬2) انظر: "تفسير ابن كثير" (3/ 328).
(¬3) انظر: "تفسير الثعلبي" (3/ 297)، و"شرح صحيح البخاري" لابن بطال (8/ 493)، و"الاعتقاد" للبيهقي (ص: 189)، و"شرح السنة" للبغوي (1/ 92)، و"الاعتصام" للشاطبي (2/ 248).

الصفحة 463