كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

دَلالةِ المَفهوم والمنطوق، فقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} يقتضي بمفهومه أن الله سبحانه يَغْفِرُ لمنْ لا يشركُ به، فهو كافٍ في دلالة التقييد، فزاده تأكيداً وبياناً، فقال: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
وثانيها: تظاهرُ الآياتِ والأحاديثِ المؤكدة بحكمها الواردة بمعناها؛ كقول الله جل جلاله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: 94]، وقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114].
ولا ينبغي أن يُذْهِبَ إثمُ القتلِ أجرَ الإيمانِ والتوحيد، وإلا لكانَ السيئاتُ يذهبْنَ الحسناتِ، والحسناتُ لا يذهبْنَ السيئاتِ، وذلك مخالف لنصَّ القرآن العزيز.
وقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} (¬1) [الزلزلة: 7 - 8].
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من لقِيَ اللهَ لا يُشْرِكُ بهِ شيئاً، لَمْ تَضُرَّهُ معهُ خَطيئةٌ، ومن لقيهُ يشركُ به شيئاً، لم ينفعْهُ معهُ حسنةٌ" (¬2).
وروى جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما -: أن رجلاً أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! ما الموجبتان - فقال: "مَنْ ماتَ لا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً، وَجَبَتْ لهُ الجَنةُ، ومَنْ ماتَ يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً، وجَبَتْ لهُ النارُ" (¬3).
¬__________
(¬1) انظر: "المحرر الوجير" لابن عطية (2/ 65)، و"التفسير الكبير" للرازي (10/ 189 - 192)، و "تفسير القرطبي" (5/ 334).
(¬2) رواه الإمام أحمد في "المسند" (2/ 170)، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 19 - معجم الزوائد)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح ما خلا التابعي فإنه لم يسم.
(¬3) رواه عبد بن حميد في "مسنده" (1060)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/=

الصفحة 464