كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

فلعل قوله: نسختها، زيادةٌ من بعضِ الرواةِ عن ابن جبيرٍ.
فالمشهورُ من روايةِ ابن جُبيرٍ ما ذكره البخاريُّ في "جامعه" عن ابن جُبَيرٍ قال: آية اختلفَ فيها أهلُ الكوفةِ، فرحلتُ فيها إلى ابنِ عباسٍ، فسألتُه عنها، فقال: نزلتْ هذه الآيةُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء:93]، هي آخر ما نزلَ، فما نسخَها شيء (1).
وهذا ينفي أن تكونَ منسوخةً، ولا يثبتُ أن تكونَ ناسخة لآية الفرقان.
وهو وإن صحَّ عنه، فليس على توقيفه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - دليلٌ، وإنما قالهُ ابنُ عباسٍ باجتهادِه، واستدلَّ بتأخُّرِ نزولِ آية النساء، وقد قامتِ الأدلةُ التي قدمتُها عندَ غيره على إحكام الآيتين، وأنه (¬2) لا معارضة بينهما.
وأنكر مَكَيُّ بنُ أبي طالب إمكانَ النسخِ في الآيتين؛ لأنهما خبرٌ من الله سبحانه عن حكمِه، وحكمُهُ يستحيلُ فيه النسخُ؛ لإفضائه إلى الكذبِ (¬3).
وهذا غَفْلَة منه؛ فإن الآيتين لَفْظُهُما لفظُ الخَبَرِ، ومعناهُما الحُكْمُ الذي يجوزُ وقوعُه على وجهينِ من التخليدِ وعدمِ التخليدِ، وكلُّ ما جازَ وقوعُهُ على وجهين، جاز الحكمُ بنسخِه، ولأنه لو كانَ الأمرُ على ما ذكر، لما جازَ
¬__________
= (3023)، كتاب: التفسير، باب قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}. رواه البخاري (4314)، كتاب: التفسير، باب: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}، ومسلم (3023)، كتاب: التفسير، باب: قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 15)، وغيرهما، وهذا لفظ البيهقي.
(¬2) في "أ": "وأن".
(¬3) انظر: "البحر المحيط" للزركشي (3/ 158)، و"إرشاد الفحول" للشوكاني (1/ 315).

الصفحة 469