كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

وبهذا الحصر أخذ الحسنُ وأبو قِلابةَ، فقالوا: لا يجوز الخُلْعُ حتى يراها تزني (¬1)، وجعلا الفاحِشَةَ المبينةَ هي التي يعلم بها تركُ إقامة حدود الله.
والجمهور إما أن يحملوا الفاحشة المبينة على النشوز، أو يرون النشوز في معنى الفاحشة المبينة (¬2)؛ لأن في الجميع ترك إقامة حدود الله تعالى؛ بدليل فعلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في امرأة ثابتِ بنِ قيسٍ، وسيأتي مزيد الكلام إن شاءَ اللهُ تعالى.
* والخوف يحتمل أن يراد به حقيقةُ الخوفِ الذي هو الظَّنُّ والحُسبان، فيدل حينئذٍ على جواز الخُلْع، وإن كان الحالُ بينهما مستقيماً يقيمان حدود الله تعالى، يؤدّي حقها، وتؤدِّي حَقَّه، لكنها كارهةٌ لصحبته، ويخافُ أن تمنعَهُ بعضَ حقِّه؛ لكراهيةِ صحبتهِ؛ كما قال الجمهور.
ويحتمل أن يُراد به العلمُ؛ كقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا} [النساء: 35]؛ أي: علمتم، فلا يدلُّ على جواز الخُلْع في الحال المستقيمة بينهما؛ كما اختاره ابن المنذر.
* ثم يحتمل أن يكون قولُه تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] خِطاباً للمؤمنين، ويحتمل أن يكونَ خِطاباً للوُلاة؛ كقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35]، وذلك خطابٌ للولاة بالاتِّفاق، وبهذا قال الحسنُ وسعيدُ بنُ جُبير
¬__________
(¬1) وهو قول ابن سيرين وجماعة من العلماء. انظر: "معالم التنزيل" للبغوي (1/ 588)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (2/ 101)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3/ 1/ 84)، و"المغني" لابن قدامة (10/ 268).
(¬2) انظر: "معالم التنزيل" للبغوي (1/ 588)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (2/ 101)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3/ 1/ 84).

الصفحة 47