كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

قلنا: اختلفَ أهلُ العلمِ في ذلكَ على ثلاثةِ مذاهبَ.
- منهم من ذهبَ إلى الجَمْعِ، وهمُ الجمهورُ، فحملَ أمر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالدعاءِ لهم إلى الثلاث الخِصال على الاستحباب، وحَمَلَ فعلَه على الجواز، والحكمُ عندَهُ أنه لا يَجِبُ تكرارُ الدعوةِ إلى المشركين بعدَ بلوغِها إليهم، ولكنها تستحبُّ (¬1).
- ومنهم من ذهبَ إلى التعارضِ، فذهب جمهورُهم إلى النسخ، فقال: إنَّ فِعْلَهُ ناسخٌ لقوله، وإن ذلك إنما كانَ في أولِ الإسلامِ قبلَ أن تنتشر الدعوةُ، والحكمُ عندهم: أنه لا يجبُ تكرارُ الدعوةِ، ولا يستحبُّ.
- وذهبَ بعضُهم إلى الترجيح، فرجَّحَ قولَه على فعلهِ - صلى الله عليه وسلم -، فأوجبَ تكرارَ الدعوة (¬2).
ولو جُمعَ بين الحديثين بان قولَه في الذين لم يتحققْ منهمُ العِناد، وفِعْلَهُ في الذين قد علمَ منهم مَحْضَ العِناد، لكان أولى وأحسن (¬3)، ولم أقفْ عليه لأحدٍ (¬4).
¬__________
= وباع وجامع وفدى وسبى الذرية، ومسلم (1730)، كتاب: الجهاد والسير، باب: جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام، عن نافع، عن ابن عمر.
والغازُّ: هو الغافل. "اللسان" (مادة غرر) (5/ 13).
(¬1) وبه قال نافع والحسن والثوري والليث والشافعي وأبو ثور وابن المنذر. وصححه النووي. انظر: "شرح مسلم" للنووي (12/ 36).
(¬2) انظر: "شرح مسلم" للنووي (12/ 36).
(¬3) وأحسن": ليس في "أ".
(¬4) قلت: قد قال الإمام ابن عبد البر بمثل هذا القول. انظر: "التمهيد" له (2/ 216).

الصفحة 475