كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)
واشترط مالكٌ النيةَ (¬1)، ولم يشترطْها أبو حنيفة (¬2)، وجعله كالمُؤْلي، وسيأتي مزيدُ كلام على هذا -إن شاء الله تعالى- عندَ قوله في سورة الطلاق: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2].
* وجعل الله سبحانه للرجل أن يسرِّحها، وقد أجمع أهلُ العلم (¬3) أن الرجعيَّةَ يلحقُها الطلاقُ (¬4).
وجعل له أيضاً أن يخالعَها، وعلى هذا إجماعُهُمْ، نعم، للشافعيِّ قولٌ أنه لا يصحُّ خُلْعُها (¬5).
فإن قلتم: فترتيبُ الأحكام في هذه الآية يقتضي أن المُخْتَلِعَةَ يلحقها الطلاقُ؛ لأن الله سبحانه رتَّبَ بالفاء التي للترتيب الإمساكَ والتسريحَ على الطلاق، ورتَّب الافتداءَ على الطلاق، ورتب الطلاقَ على الافتداء، فقال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230].
قلت: ما فهمتموه واستنبطتموه قد قالَ به قومٌ من أهل العلم، منهم أبو حنيفةَ والثوريُّ -رحمهما الله تعالى-، واستدلوا بآثار ضعيفةٍ منقطعةٍ لا تقومُ بمثلها حجَّةٌ (¬6).
¬__________
= وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 1/ 136).
(¬1) انظر: "التفريع" لابن الجلاب (2/ 76 - 77).
(¬2) انظر: "رد المحتار" لابن عابدين (5/ 22 - 23).
(¬3) في "ب" زيادة: "على".
(¬4) انظر نقل الإجماع في: "المغني" لابن قدامة (10/ 554).
(¬5) انظر: "المغني" لابن قدامة (10/ 554). لكن الأظهر عند الشافعية: أنه يصح خلع الرجعية. انظر: "روضة الطالبين" للنووي (8/ 222).
(¬6) وهو قول سعيد بن المسيب وشريح وطاوس والنخعي والزهري والحكم وحماد وأصحاب الرأي. انظر: "البحر الرائق" لابن نجيم (4/ 77)، و"المغني" لابن قدامة (10/ 278)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 1/ 136).=
الصفحة 49
505