كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)
وقال قومٌ: لا يلحقها طلاق، كما لا يلحقها إيلاءٌ ولا ظهار، ولا ترث، ولا تنتقل إلى عدة الوفاة، واحتجوا بما رواه عطاءٌ عن ابن عباس وابن الزبير: أنهما قالا في المختلعة: لا يلزمها طلاق؛ لأنه طلاقُ ما لا يملك، وبه قال مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثور (¬1).
فإن قلتم: فهذا الترتيبُ يقتضي أن المفاداةَ الواقعةَ بين الطلقتين لا تُحرِّم، ولا تجعل ثالثة؛ لأن الله سبحانه يقول: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، ولم يحرمها بالافتداء.
قلنا: ما فهمتموه قد قال به -أيضًا- قومٌ من أهل العلم؛ كأحمدَ وداودَ، والشافعيِّ في أحد قوليه، وهو مذهبُ ابنِ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما - (¬2).
فعن إبراهيمَ بنِ سعدٍ بنِ أبي وقاص: أن رجلًا سألَ ابنَ عباس عن رجلٍ طلَّق امرأتَه طلقتين، ثم اختلعت منه، أيتزوجها؟ قال: نعم، لِينكحْها، ليس الخُلْعُ بطلاق، ذكرَ الله سبحانه وتعالى الطلاقَ في أولِ الآيةِ وآخرِها، والخلع فيما بين ذلك، فليس الخلعُ بشيء (¬3)، ثم قال: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ} [البقرة: 229]، ثم قرأ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ
¬__________
(¬1) وهو قول عكرمة وجابر بن زيد والشعبي، وروي عن ابن المسيب وشريح وطاوس والنخعي والزهري والحكم وحماد. انظر: "جامع الأمهات" لابن الحاجب (ص: 289)، و"مغني المحتاج" للشربيني (4/ 476)، و"المغني" لابن قدامة (10/ 278)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 1/ 136).
(¬2) يعني: أن الخلع فسخ وليس طلاقًا. وقال به -أيضًا- طاوس وعكرمة وإسحاق وأبو ثور. انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (17/ 187 - 188)، و"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 95)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 1/ 132)، و"المغني" لابن قدامة (10/ 274).
(¬3) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (11771).
الصفحة 50
505