كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

ولما رُوي أنَّه اختلعَتْ رُبَيِّعُ بنتُ مُعَوِّذٍ ناشِزةً بما تملكه، فأجازه عثمان -رضي الله تعالى عنه - بما دون عِقاصِها (¬1).
وحكي عن الشعبيِّ أنَّه إنما يجوز الافتداءُ ببعضِ المَهْر؛ لكون الباقي عوضَ الاستمتاع (¬2)، وكأنه -والله أعلم- تمسَّكَ بقوله تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19] فعلق الذهاب بالبعض.
فإن قلتم: فما التسريحُ بالإحسان؟
قلت: سيأتي بيانه - إن شاء الله تعالى (¬3).
فإن قلتم: فهل التسريحُ صريح كلفظ الطلاق، أو (¬4) لا؟
قلت: لما ذكر الله - سبحانه - في كتابه العزيز، لِفُرقةِ الطلاق ثلاثةَ ألفاظٍ، وهي: الطلاقُ والسَّراحُ والفِراق، احتملَ أن يكون ذَكَرَها في القرآن تنبيهًا على أنها ألفاظٌ موضوعةٌ للفراق في عرف الشرع كلفظ الطلاق، ويحتمل أن يكون استعملَها (¬5) على موضوعها اللغوي؛ بخلاف الطلاق؛ فإنه لفظ موضوع للفراقِ في وضعِ اللغة، وعُرْف اللسان، وعرف الشرع.
¬__________
(¬1) رواه البخاري (5/ 2021) تعليقًا، كتاب: الطلاق، باب: الخلع وكيف الطلاق، وعبد الرزاق في "المصنف" (11850)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 315)، عن الربيع بنت معوذ. وعندهم: "دون عقاص رأسها" بدل "دون عقاصها".
والعِقاص: جمعُ عقيصة، وهي: الضفيرة. "القاموس" (مادة: عقص) (ص: 560).
(¬2) لم أجد قول الشعبي هذا، وقد تقدم أنَّه يقول بأنه لا يجوز أخذ أكثر من المهر.
(¬3) في الآية (231) من سورة البقرة.
(¬4) في "ب": "أم".
(¬5) في "ب": "استعمالها".

الصفحة 54