كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

فنكاحها باطل" (¬1)؛ فإنه لفظ عامٌّ مستغرق و (¬2) مؤكَّد بما يقتضي أن يقع على جميع أفراد النساء، ولا يجوز حملُه على الأبكار فقط، فعلمنا أن أحقية الثيب هو ألا يُعْقَدَ النكاحُ عليها إلا بأمرها، ولا يجوز بغير أمرها في حال من الأحوال؛ بدليل أن البِكْرَ قد تنُكح بغير إذنها؛ كما أنكح أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- عائشةَ -رضي الله تعالى عنها- من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي بنتُ ست سنين (¬3)، أو سبعِ سنين، وهي لا إذن لها حينئذِ، فعلمنا أن قوله: "والبِكْرُ تُسْتأذَنُ في نَفْسِها" أنَّه لفظ عامٌّ أريدَ به الخُصوص ببعض الأبكار؛ بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - في بنتِ عثمانَ بنِ مَظْعون: "إنها يتيمةٌ، ولا تنكح إلا بإذنها" (¬4)، فمفهومه أن غيرَ اليتيمة تنكحُ بغير إذنها.
فإن قلتم: دلالته ضعيفة؛ لأنها:
- إما تخصيصٌ لبعض أفراد العموم بالذكر، وهو لا يخصِّصُ العمومَ عند الجمهور؛ خلافًا لأبي ثور.
- أو مفهوم خطاب، وقد خالف في دلالته بعضُ أهل العلم بالاستدلال، فلا يخصّ بهذا المفهوم العمومُ.
قلنا: قد ثبت في بعض طرق حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اليتيمة تُستأمرُ في نفسها، فإن سكتَتْ، فهو إذْنُها، وإن أبتْ، فلا جوازَ عليها" (¬5).
¬__________
(¬1) تقدم تخريجه.
(¬2) الواو ليست في: "ب".
(¬3) "سنين" ليس في "ب".
(¬4) رواه الإمام أحمد في "المسند" (2/ 130)، والدارقطني في "سننه" (3/ 230)، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 120)، وابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" (2/ 265)، عن ابن عمر.
(¬5) رواه أبو داود (2093)، كتاب: النكاح، باب: في الاستئمار، والنسائي =

الصفحة 70