كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

فإن قلتم: فما الدليلُ (¬1) على أن هذه في المزوَّجات؟
قلت: إيجابُه فيها ما يجبُ للزوجةِ من النفقةِ والكسْوَةِ؛ كما قال اللهُ تعالى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5]، وقولِه تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 233]، فأباح الاسترضاع للآباءِ مُطْلَقًا، ولم يبحه في آيةِ الطلاق إلا عند التَّعاسرِ.
وقد اشتملتْ هذه الآيةُ على جُمَلٍ من الأحكام:
الجملة الأولى: قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ} [البقرة: 233]، فأوجب الله سبحانه على الوالدات أنْ يُرضعْنَ أولادهُنَّ، فورد الوجوب مصادمًا لهنّ.
- فمنهم من أَخَذ بظاهرِ الخِطاب، فأوجبَ على الوالدةِ المزوَّجَةِ أن ترضعَ للزوجِ ولدَهُ، وهو قول أبي ثور (¬2)، ومالكٍ في أحدِ قوليه (¬3)، وأحسبه مذهبَ أبي حنيفة (¬4)، وكان هذا من جملة منافعِها المستحقة للزوج؛ بدليل أنَّه لم يوجب على الزوج إلا النفقةَ والكُسوةَ التي هي من خصائص الزوجيَّةِ.
¬__________
(¬1) في "ب": "دلَّك".
(¬2) وهو قول ابن حزم والظاهرية، وابن أبي ليلى والحسن بن حي. انظر "المحلى" لابن حزم (10/ 337)، و"المغني" لابن قدامة (11/ 430).
(¬3) لم أجد هذا القول عن مالك ولا في المذهب هكذا مطلقًا إلا عن القاضي عبد الوهاب، كما يأتي بعد قليل، ولكن حكاه ابن حزم وابن قدامة. انظر: "المحلى" لابن حزم (10/ 337)، و"المغني" لابن قدامة (11/ 430).
(¬4) مذهب الحنفية: أن الأم لا يجب عليها إرضاع ولدها قضاءً، أما ديانة فيجب عليها، لهذا قالوا: لا يجوز لها أن تأخذ أجرة الإرضاع. انظر: "البناية" للعيني (5/ 535 - 534).

الصفحة 74