كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 2)

أَخبَرنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدثنا حَوْثَرَةُ، بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ، إِلَاّ أَنَّهُ قَالَ: "وَمِنْ طَاعَتِي أَنْ تُطِيعُوا أَئِمَّتَكُمْ".
أَخْبَرْنَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ، فَقَالَ: ثِقَةٌ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِينَ قُعُودًا إِذَا صَلَّى إِمَامُهُمْ قَاعِدًا مِنْ طَاعَةِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا الَّتِي أَمَرَ عِبَادَهُ، وَهُوَ عِنْدِي ضَرْبٌ مِنَ الإِجْمَاعِ الَّذِي أَجْمَعُوا عَلَى إِجَازَتِهِ؛ لأَنَّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم أَرْبَعَةً أَفْتَوْا بِهِ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَقَيْسُ بْنُ قَهْدٍ. وَالإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا هُبُوطَ الْوَحْيِ وَالتَّنْزِيلِ وَأُعِيذُوا مِنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ حَتَّى حَفِظَ اللهُ بِهِمُ الدِّينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَصَانَهُ عَنْ ثَلْمِ الْقَادِحِينَ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافٌ لِهَؤُلَاءِ الأَرْبَعَةِ لَا بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ وَلَا مُنْقَطِعٍ، فَكَأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الإِمَامَ إِذَا صَلَّى قَاعِدًا كَانَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا.
وَقَدْ أَفْتَى بِهِ مِنَ التَّابِعِينَ: جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو الشَّعْثَاءِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ التَّابِعِينَ أَصْلاً بِخِلَافِهِ لَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا وَاهٍ، فَكَأَنَّ التَّابِعِينَ أَجْمَعُوا عَلَى إِجَازَتِهِ.
وَأَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ قَاعِدًا إِذَا صَلَّى إِمَامُهُ جَالِسًا، الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ صَاحِبُ النَّخَعِيِّ وَأَخَذَ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، ثُمَّ أَخَذَ عَنْ حَمَّادٍ أَبُو حَنِيفَةَ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَعْلَى شَيْءٍ احْتَجُّوا بِهِ فِيهِ، شَيْءٌ رَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا". وَهَذَا لَوْ صَحَّ إِسْنَادُهُ لَكَانَ مُرْسَلاً،
وَالْمُرْسَلُ مِنَ الْخَبَرِ مَا لَمْ يُرْوَ، سِيَّانِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَنَا؛ لأَنَّا لَوْ قَبْلِنَا إِرْسَالَ تَابِعِيٍّ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَاضِلاً عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ لَزِمَنَا قَبُولُ مِثْلِهِ عَنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَمَتَى قَبْلِنَا ذَلِكَ لَزِمَنَا قَبُولُ مِثْلِهِ عَنْ تَبَعِ الأَتْبَاعِ، وَمَتَى قَبْلِنَا ذَلِكَ لَزِمَنَا قَبُولُ مِثْلِ ذَلِكَ عَنْ تُبَّاعِ التَّبَعِ، وَمَتَى قَبْلِنَا ذَلِكَ لَزِمَنَا أَنْ نَقْبَلَ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ إِذَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم، وَفِي هَذَا نَقْضُ الشَّرِيعَةِ.
وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمِثْلِ هَذَا الْمُرْسَلِ وَقَدْ قَدَحَ فِي رِوَايَتِهِ زِعِيمُهُمْ فِيمَا أَخبَرنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ الْقَطَّانُ بِالرَّقَّةِ، قَالَ: حَدثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يَحْيَى الْحِمَّانِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ فِيمَنْ لَقِيتُ أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءٍ، وَلَا لَقِيتُ فِيمَنْ لَقِيتُ أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، مَا أَتَيْتُهُ بِشَيْءٍ قَطُّ مِنْ رَأْيٍ إِلا جَاءَنِي فِيهِ بِحَدِيثٍ، وَزَعَمَ أَنَّ عِنْدَهُ كَذَا وَكَذَا أَلْفَ حَدِيثٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم لَمْ يَنْطِقْ بِهَا.
فَهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ يُجَرِّحُ جَابِرًا الْجُعْفِيَّ وَيُكَذِّبُهُ ضِدَّ قَوْلِ مَنِ انْتَحَلَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَذْهَبَهُ وَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَ أَئِمَّتِنَا فِي كُتُبِهِمْ: فُلَانٌ ضَعِيفٌ غِيبَةٌ، ثُمَّ لَمَّا اضْطَرَّهُ الأَمْرُ جَعَلَ يَحْتَجُّ بِمَنْ كَذَّبَهُ شَيْخُهُ فِي شَيْءٍ يَدْفَعُ بِهِ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم.
فَأَمَّا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ فَقَدْ ذَكَرْنَا قِصَّتَهُ فِي كِتَابِ الْمَجْرُوحِينَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ بِالْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَةِ الَّتِي لَا يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ صِحَّتُهَا فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ تِكْرَارِهَا فِي هَذَا الكتاب. [٢١٠٩ - ٢١١٠]

الصفحة 10