كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 2)

ذِكْرُ خَبَرٍ يُعَارَضُ الْخَبَرَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ فِي الظَّاهِرِ.
٨٥٥ - أَخبَرنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدثنا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، قَالَ: حَدثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم فِي الصَّفِّ خَلْفَهُ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: خَالَفَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ زَائِدَةَ بْنَ قُدَامَةَ فِي مَتْنِ هَذَا الْخَبَرِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ فَجَعَلَ شُعْبَةُ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم مَأْمُومًا حَيْثُ صَلَّى قَاعِدًا وَالْقَوْمُ قِيَامٌ، وَجَعَلَ زَائِدَةُ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم إِمَامًا حَيْثُ صَلَّى قَاعِدًا وَالْقَوْمُ قِيَامٌ، وَهُمَا مُتْقِنَانِ حَافِظَانِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلُ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَضَادَّتَا فِي الظَّاهِرِ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ نَاسِخًا لأَمْرٍ مُطْلَقٍ مُتَقَدِّمٍ، فَمَنْ جَعَلَ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ نَاسِخًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلم وَتَرَكَ الآخَرَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ يَثْبُتُ لَهُ عَلَى صِحَّتِهِ، سَوَّغَ لِخَصْمِهِ أَخْذَ مَا تَرَكَ مِنَ الْخَبَرَيْنِ وَتَرْكَ مَا أَخَذَ مِنْهُمَا، وَنَظِيرُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ السُّنَنِ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ،
وَخَبَرُ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم نَكَحَهَا وَهُمَا حَلَالَانِ فَتَضَادَّ الْخَبَرَانِ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ فِي الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَضَادٌّ عِنْدَنَا.
فَجَعَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ الْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ رُوِيَا فِي نِكَاحِ مَيْمُونَةَ مُتَعَارِضَيْنِ وَذَهَبُوا إِلَى خَبَرِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلم قَالَ: "لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ"، فَأَخَذُوا بِهِ إِذْ هُوَ يُوَافِقُ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ رُوِيَتَا فِي نِكَاحِ مَيْمُونَةَ، وَتَرَكُوا خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم نَكَحَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ.
فَمَنْ فَعَلَ هَذَا لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ تَضَادَّ الْخَبَرَانِ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلم فِي عِلَّتِهِ عَلَى حَسْبِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فَيَجِبُ أَنْ نَجِيءَ إِلَى الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ الأَمْرُ بِصَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ قُعُودًا إِذَا صَلَّى إِمَامُهُمْ قَاعِدًا فَنَأْخُذُ بِهِ إِذْ هُوَ يُوَافِقُ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ رُوِيَتَا فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلم فِي عِلَّتِهِ وَنَتْرُكَ الْخَبَرَ الْمُنْفَرِدَ عَنهُمَا كَمَا فُعِلَ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ مَيْمُونَةَ.
وَلَيْسَ عِنْدَنَا بَيْنَ هَذِهِ الأَخْبَارِ تَضَادٌّ وَلَا تَهَاتُرٌ وَلَا نَاسِخٌ وَلَا مَنْسُوخٌ بَلْ مِنْهَا مُخْتَصَرٌ وَمُتَقَصًّى وَمُجْمَلٌ وَمُفَسَّرٌ إِذَا ضُمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ بَطَلَ التَّضَادُّ بَيْنَهُمَا وَاسْتُعْمِلَ كُلُّ خَبَرٍ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ قَضَى اللهُ ذَلِكَ وَشَاءَهُ. [٢١١٧]

الصفحة 15