كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 2)

ذِكْرُ طَرِيقٍ آخَرَ بِخَبَرِ عَائِشَةَ أَوْهَمَ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِلأَمْرِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
٨٥٦ - أَخبَرنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ مَوْلَى ثَقِيفٍ، قَالَ: حَدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْعَبْسِيُّ، قَالَ: حَدثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ؟ " قُلْنَا: لَا، قَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ.
قَالَ عَاصِمٌ: وَالأَسِيفُ: الرَّقِيقُ الرَّحِيمُ.
قَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ". قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ رُدَّ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم وَجَدَ خِفَّةً مِنْ نَفْسِهِ فَخَرَجَ بَيْنَ بَرِيرَةَ وَنُوبَةَ، إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى نَعْلَيْهِ تَخُطَّانِ فِي الْحَصَا، وَأَنْظُرُ إِلَى بُطُونِ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا: "أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ". فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنِ اثْبُتْ مَكَانَكَ فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم يُصَلِّي وَهُوَ جَالِسٌ، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ. [٢١١٨]
ذِكْرُ خَبَرٍ يُعَارَضُ فِي الظَّاهِرِ خَبَرَ أَبِي وَائِلٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
٨٥٧ - أَخبَرنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدثنا شَبَابَةُ، قَالَ: حَدثنا شُعْبَةُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: خَالَفَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَاصِمَ بْنَ أَبِي النَّجُودِ فِي مَتْنِ هَذَا الْخَبَرِ فَجَعَلَ عَاصِمٌ أَبَا بَكْرٍ مَأْمُومًا وَجَعَلَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ أَبَا بَكْرٍ إِمَامًا، وَهُمَا ثِقَتَانِ حَافِظَانِ مُتْقِنَانِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ خَبَرُ أَحَدِهِمَا نَاسِخًا لأَمْرٍ مُتَقَدِّمٍ، وَقَدْ عَارَضَهُ فِي الظَّاهِرِ مِثْلُهُ؟
وَنَحْنُ نَقُولُ بِمَشِيئَةِ اللهِ وَتَوْفِيقِهِ: إِنَّ هَذِهِ الأَخْبَارَ كُلَّهَا صِحَاحٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا يُعَارِضُ الآخَرَ، وَلَكِنَ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم صَلَّى فِي عِلَّتِهِ صَلَاتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً لَا صَلَاةً وَاحِدَةً فِي إِحْدَاهُمَا كَانَ مَأْمُومًا، وَفِي الأُخْرَى كَانَ إِمَامًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا صَلَاتَيْنِ لَا صَلَاةً وَاحِدَةً أَنَّ فِي خَبَرِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم خَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يُرِيدُ أَحَدَهُمَا الْعَبَّاسَ وَالآخَرَ عَلِيًّا وَفِي خَبَرِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم خَرَجَ بَيْنَ بَرِيرَةَ وَنُوبَةَ فَهَذَا يَدُلَّكُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ صَلَاتَيْنِ لَا صَلَاةً وَاحِدَةً. [٢١١٩]

الصفحة 16