كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 2)

النوع السادس
الأمر الذي قامت الدلالة من خبر ثان على فرضيته قد يسع ترك ذلك الأمر المفروض عند وجود عشر خصال معلومة. فمتى وجدت خصلة من هذه الخصال العشر كان الأمر باستعمال ذلك الشيء جائزا تركه. ومتى عدم هذه الخصال العشر كان الأمر باستعمال ذلك الشيء واجبا.
٨٦٤ - أَخبَرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ: حَدثنا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدثنا عِيسَى بْنُ جَارِيَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي مَكْفُوفُ الْبَصَرِ شَاسِعُ الدَّارِ، فَكَلَّمَهُ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَنْزِلِهِ، قَالَ: "أَتَسْمَعُ الأَذَانَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَأْتِهَا وَلَوْ حَبْوًا".
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فِي سُؤَالِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فِي تَرْكِ إِتْيَانِ الْجَمَاعَاتِ، وَقَوْلِهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "ائْتِهَا وَلَوْ حَبْوًا"، أَعْظَمُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ هَذَا أَمْرٌ حَتْمٌ لَا نَدْبٌ، إِذْ لَوْ كَانَ إِتْيَانُ الْجَمَاعَاتِ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ لَهَا غَيْرَ فَرْضٍ لأَخْبَرَهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم بِالرُّخْصَةِ فِيهِ، لأَنَّ هَذَا جَوَابٌ خَرَجَ عَلَى سُؤَالٍ بِعَيْنِهِ، وَمُحَالٌ أَنْ لَا يُوجَدَ لِغَيْرِ الْفَرِيضَةِ رُخْصَةٌ. [٢٠٦٣]
ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتْمٌ لَا نَدْبٌ.
٨٦٥ - أَخبَرنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ السُّكَّرِيُّ، قَالَا: حَدثنا هُشَيْمٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَاّ مِنْ عُذْرٍ".
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلم بِإِتْيَانِ الْجَمَاعَاتِ أَمْرٌ حَتْمٌ لَا نَدْبٌ، إِذْ لَوْ كَانَ الْقَصْدُ فِي قَوْلِهِ: "فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَاّ مِنْ عُذْرٍ" يُرِيدُ بِهِ فِي الْفَضْلِ لَكَانَ الْمَعْذُورُ إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ كَانَ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ، فَلَمَّا اسْتَحَالَ هَذَا وَبَطَلَ ثَبَتَ أَنَّ الأَمْرَ بِإِتْيَانِ الْجَمَاعَةِ أَمْرُ إِيجَابٍ لَا نَدْبٍ، وَأَمَّا الْعُذْرُ الَّذِي يَكُونُ الْمُتَخَلِّفُ عَنْ إِتْيَانِ الْجَمَاعَاتِ بِهِ مَعْذُورًا، فَقَدْ تَتَبَّعْتُهُ فِي السُّنَنِ كُلِّهَا فَوَجَدْتُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعُذْرَ عَشْرَةُ أَشْيَاءَ. [٢٠٦٤]

الصفحة 23