كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 2)

فَلَمْ يَزَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي، فَقُلْتُ: هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ غَيْرِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَهُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَذَكَرُوا رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ شَهِدَا بَدْرًا، لِيَ فِيهِمَا أُسْوَةٌ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي هَذَا أَبَدًا، وَلَا أُكَذِّبُ نَفْسِي.
وَنَهَى النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ، فَجَعَلْتُ أَخْرُجُ إِلَى السُّوقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَتَنَكَّرَ لَنَا النَّاسُ، حَتَّى مَا هُمْ بِالَّذِينَ نَعْرِفُ، وَتَنَكَّرَت لَنَا الْحِيطَانُ حَتَّى مَا هِيَ بِالْحِيطَانِ الَّتِي نَعْرِفُ، وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الأَرْضُ حَتَّى مَا هِيَ بِالأَرْضِ الَّتِي نَعْرِفُ، وَكُنْتُ أَقْوَى أَصْحَابِي، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ فَآتِي الْمَسْجِدَ، وَآتِي النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَأَقُولُ: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِالسَّلَامِ، فَإِذَا قُمْتُ أُصَلِّي إِلَى سَارِيَةٍ، وَأَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي، نَظَرَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وسَلم بِمُؤَخَّرِ عَيْنَيْهِ، وَإِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ أَعْرَضَ عَنِّي، وَاشْتَكَى صَاحِبَايَ فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَلَا يُطْلِعَانِ رُؤُوسَهُمَا.
قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ إِذَا رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ قَدْ جَاءَ بِطَعَامٍ لَهُ يَبِيعُهُ، يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ، فَأَتَانِي وَأَتَى بِصَحِيفَةٍ مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهَا: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَأَقْصَاكَ وَلَسْتَ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ، فَقُلْتُ: هَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلَاءِ، فَسَجَرْتُ لَهَا التَّنُّورَ، فَأَحْرَقْتُهَا فِيهِ.
فَلَمَّا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً إِذَا رَسُولٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلم قَدْ أَتَانِي، فَقَالَ: اعْتَزِلِ امْرَأَتَكَ، فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا؟، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَا تَقْرَبْهَا، فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَعِيفٌ، فَهَلْ تَأْذَنْ لِي أَنْ أَخْدُمَهُ، قَالَ: "نَعَمْ، وَلَكِنْ لَا يَقْرَبَنَّكِ"، قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ لِشَيْءٍ، مَا زَالَ مُتَّكِئًا يَبْكِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ مُذْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ.
قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا طَالَ عَلَيَّ الْبَلَاءُ، اقْتَحَمْتُ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ حَائِطَهُ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ، فَقُلْتُ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ،

الصفحة 436