كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 2)

ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ فُلَانًا مِنْكُمْ يَقُولُ: وَاللهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا. فَلَا يَغُرَّنَّ امْرَءًا أَنْ يَقُولَ: إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً فَتَمَّتْ، فَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، إِلَاّ أَنَّ اللهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خَيْرِنَا حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم.
إِنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ، وَمَنْ مَعَهُمَا تَخَلَّفُوا عَنَّا، وَتَخَلَّفَتِ الأَنْصَارُ عَنَّا بِأَسْرِهَا، وَاجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَبَيْنَا نَحْنُ فِي مَنْزِلِ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم، إِذْ رَجُلٌ يُنَادِي مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ: اخْرُجْ إِلَيَّ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ: إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّا مَشَاغِيلُ عَنْكَ، فقَالَ: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْكَ فِيهِ، إِنَّ الأَنْصَارَ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَأَدْرِكُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثُوا أَمْرًا، يَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ فِيهِ حَرْبٌ، فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نَؤُمُّهُمْ، فَلَقِيَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ، فَمَشَى بَيْنِي وَبَيْنَهُ، حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْهُمْ لَقِيَنَا رَجُلَانِ صَالِحَانِ فَذَكَرَا الَّذِي صَنَعَ الْقَوْمُ، وَقَالَا: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟
فَقُلْتُ: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الأَنْصَارِ، قَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمْ، يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، اقْضُوا أَمَرَكُمْ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ، فَإِذَا هُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ رَجُلٌ مُزَّمِّلٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، قُلْتُ: فَمَا لَهُ؟ قَالُوا: هُوَ وَجِعٌ، فَلَمَّا جَلَسْنَا، تَكَلَّمَ خَطِيبُ الأَنْصَارِ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ، وَكَتِيبَةُ الإِسْلَامِ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، رَهْطٌ مِنَّا، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، قَالَ عُمَرُ: وَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَيَحُطُّوا بِنَا مِنْهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَضَى مَقَالَتَهُ، أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي، أُرِيدُ أَنْ أَقُومَ بِهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْ أَبِي بَكْرٍ بَعْضَ الْحِدِّ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ كَانَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ، وَاللهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَاّ تَكَلَّمَ بِمِثْلِهَا، أَوْ أَفْضَلَ فِي بَدِيهَتِهِ حَتَّى سَكَتَ، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ، وَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ،

الصفحة 469