كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 2)
ذِكْرُ الأَمْرِ بِالاِسْتِغْفَارِ للهِ جَلَّ وَعَلَا لِلْمَرْءِ عَمَّا ارْتَكَبَ مِنَ الْحَوْبَاتِ.
١٨٠٢ - أَخبَرنا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدثنا أَبُو الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، قال: عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، أَخْبَرَنِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَجُلاً مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَالُ لَهُ: الأَغَرُّ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلم، يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ".
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَوْلُهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ"، يُرِيدُ بِهِ: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ"، يريد أستغفر كل يوم مائة مرة، وَكَانَ اسْتِغْفَارُ المصطفى صَلى الله عَلَيه وسَلم لِتَقْصِيرِهِ فِي الطَّاعَاتِ الَّتِي وَظَّفَهَا عَلَى نَفْسِهِ، لأَنَّهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم كَانَ مِنْ أَخْلَاقِهِ إِذَا عَمِلَ خَيْرًا أَنْ يُثْبِتَهُ فَيَدُومَ عَلَيْهِ، فَرُبَّمَا اشْتَغَلَ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ عَنْ ذَلِكَ الْخَيْرِ الَّذِي كَانَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ بِخَيْرٍ آخَرَ، مِثْلَ اشْتِغَالِهِ بِوَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ وَالْقِسْمَةِ فِيهِمْ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ، فَلَمَّا صَلَّى الْعَصْرَ أَعَادَهُمَا، فَكَانَ اسْتِغْفَارُهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم لِلتَّقْصِيرِ فِي خَيْرٍ اشْتَغَلَ عَنْهُ بِخَيْرٍ ثَانٍ عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفْنَا. [٩٢٩]
ذِكْرُ لَفْظٍ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ جَمَاعَةٌ لَمْ يُحْكِمُوا صِنَاعَةَ الْعِلْمِ.
١٨٠٣ - أَخبَرنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ، قَالَ: حَدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدثنا أَبُو بُرْدَةَ، عَنِ الأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ".
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَوْلُهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي"، يُرِيدُ بِهِ: يَرِدُ عَلَيْهِ الْكَرْبُ مِنْ ضِيقِ الصَّدْرِ مِمَّا كَانَ يَتَفَكَّرُ فِيهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم بِأَمْرِ اشْتِغَالِهِ كَانَ بِطَاعَةٍ عَنْ طَاعَةٍ، أَوِ اهْتِمَامِهِ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ مِنَ الأَحْكَامِ قَبْلَ نُزُولِهَا، كَأَنَّهُ كَانَ يَعُدُّ، صَلى الله عَلَيه وسَلم، عَدَمَ عِلْمِهِ بِمَكَّةَ بِمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنَ الأَحْكَامِ قَبْلَ إِنْزَالِ اللهِ إِيَّاهَا بِالْمَدِينَةِ ذَنْبًا، فَكَانَ يُغَانُ عَلَى قَلْبِهِ لِذَلِكَ، حَتَّى كَانَ يَسْتَغْفِرُ اللهَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، لَا أَنَّهُ كَانَ يُغَانُ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ ذَنْبٍ يُذْنِبُهُ، كَأُمَّتِهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم. [٩٣١]
الصفحة 523