كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 2)

ذِكْرُ خَبَرٍ ثَانٍ يُصَرِّحُ بِصِحَّةِ مَا أَوْمَأْنَا إِلَيْهِ.
٨٤٥ - أَخبَرنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم قَالَ: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَمَا أُمِرْتُمْ فَأَتَوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَمَا نَهَيْتُ عَنْهُ فَانْتَهُوا".
قَالَ ابْنُ عَجْلَانَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم، وَزَادَ فِيهِ: "وَمَا أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَهُوَ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ".
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ النَّوَاهِيَ عَنِ الْمُصْطَفَى صَلى الله عَلَيه وسَلم كُلَّهَا عَلَى الْحَتْمِ وَالإِيجَابِ، حَتَّى تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى نُدْبِيَّتِهَا، وَأَنَّ أَوَامِرَهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم بِحَسْبِ الطَّاقَةِ وَالْوُسْعِ عَلَى الإِيجَابِ حَتَّى تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى نُدْبِيَّتِهَا، قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧]. ثُمَّ نَفَى الإِيمَانَ، عَمَّنْ لَمْ يُحَكِّمْ رَسُولَهُ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَضَى وَحَكَمَ حَرَجًا وَيُسَلِّمُوا للهِ وَلِرَسُولِهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم تَسْلِيمًا بِتَرْكِ الآرَاءِ الْمَعْكُوسَةِ وَالْمُقَايَسَاتِ الْمَنْكُوسَةِ، فَقَالَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥]. [٢١٠٦]
ذِكْرُ خَبَرٍ ثَالِثٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الأَمْرَ هُوَ أَمْرُ حَتْمٍ لَا نَدْبٍ.
٨٤٦ - أَخبَرنا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخبَرنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ".
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَدْ زَجَرَ الْمُصْطَفَى صَلى الله عَلَيه وسَلم فِي هَذَا الْخَبَرِ الْمَأْمُومِينَ عَن الاِخْتِلَافِ عَلَى إِمَامِهِمْ إِذَا صَلَّى قَاعِدًا وَهُوَ مِنَ الضَّرْبِ الَّذِي ذَكَرْتُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم قَدْ يَزْجُرُ عَنِ الشَّيْءِ بِلَفْظِ الْعُمُومِ، ثُمَّ يَسْتَثْنِي بَعْضَ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَزْجُورِ عَنْهُ، فَيُبِيحُهُ لِعِلَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَمَا نَهَى صَلى الله عَلَيه وسَلم عَنِ الْمُزَابَنَةِ بِلَفْظٍ مُطْلَقٍ، ثُمَّ اسْتَثْنَى بَعْضَهَا وَهُوَ الْعَرِيَّةُ، فَأَبَاحَهَا بِشَرْطٍ مَعْلُومٍ لِعِلَّةٍ مَعْلُومَةٍ.
وَكَذَلِكَ يَأْمُرُ صَلى الله عَلَيه وسَلم الأَمْرَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ، ثُمَّ يَسْتَثْنِي بَعْضَ ذَلِكَ الْعُمُومِ فَيَحْظُرُهُ لِعِلَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَمَا أَمَرَ صَلى الله عَلَيه وسَلم الْمَأْمُومِينَ وَالأَئِمَّةَ جَمِيعًا أَنْ يُصَلُّوا قِيَامًا إِلَاّ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ، ثُمَّ اسْتَثْنَى بَعْضَ هَذَا الْعُمُومِ، وَهُوَ إِذَا صَلَّى إِمَامُهُمْ قَاعِدًا، فَزَجَرَهُمْ، عَنِ اسْتِعْمَالِهِ مَسْتَثْنًى مِنْ جُمْلَةِ الأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ مِنَ السُّنَنِ سَنَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ قَضَى اللهُ ذَلِكَ وَشَاءَهُ. [٢١٠٧]

الصفحة 7