كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

وإنما تستقيم هذه الملاحظة مع الألفاظ الخالية من علامات الجمع، إذ هذه العلامات تمنع من أن تلاحظ هذه الأفراد في صورة شيء واحد.
ومجمل القول: أن الألفاظ التي يراد منها جماعة؛ كـ "مَن"، وجَمْع، وفريق، لا يجد العرب حرجاً في أن يعيدوا عليها ضمائر الجمع؛ نظراً إلى ما دلَّت عليه من الأفراد المتعددة، أو يعيدوا عليها الضمائر مفردة؛ نظراً إلى أن اللفظ لا يتجافى عن هذه الضمائر، وقابل لأن يلاحظ معه مجموع الأفراد في هيئة ما تقع عليه نظرة واحدة، ومراعاةُ اللفظ والمعنى في تركيب واحد كما يجيء في بعض الأبيات طريقةٌ عربية مألوفة، ومن شواهدها:
لستُ ممَّنْ يَكِعُّ أو يستكينو ... ن إذا كافحته خيلُ الأعادي
فقد أعاد الضمير على "من" في قوله: "يكع" مفرداً، وأعاده عليها ضميرَ جمع في قوله: "يستكينون".
* الضمير العائد على "الذي":
قال المحاضر: "وأكثر من هذا أن عدم المطابقة ليس مقصوراً على "مَنْ"، بل يتجاوزها إلى "الذي"، مع أن "الذي" مفرد قطعاً، فلا يصح أن يرجع الضمير إلى لفظه مرة، وإلى معناه مرة أخرى، فمن ذلك قوله تعالى في سورة الزمر: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33]، وقوله تعالى في سُورَةِ البَقَرَةِ: {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا} [البقرة: 264].
قد يراد من نحو "الذي" شخص معين، وهو في هذا الحال لا يعود عليه الضمير إلا مفرداً، وقد يراد منه الجنس؛ ليتناول الحكمُ به كلَّ فرد يتحقق فيه

الصفحة 102