كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

معنى الصلة، وهذا ما يذهب العرب في الحديث عنه إلى إفراد الضمير مرة، وجمعه مرة أخرى، وإذا أتوا بضمير الجمع، فلأن "الذي" يتناول بوساطة دلالته على الجنس أفراداً متعددة، فتحصل المطابقة بين الضمير ومرجعه من جهة المعنى، فالإخبار عن "الذي" بما يشار به إلى الجمع في آية: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ} [الزمر: 33]، وعود ضمير الجمع على "الذي" في آية: {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ} [البقرة: 264] إنما هو قائم على رعاية أن "الذي" مستعمل في جنس من يتحقق فيه معنى الصلة، والجنس ذو أفراد لا تحصى.
* الضمير العائد على المعرف بأل الجنسية:
قال المحاضر: "بل لا يقتصر عدم المطابقة على"من"، و"الذي"، وإنما يتجاوزهما إلى أسماء مظهرة، منها العام، ومنها الخاص.
فمن الأول: قوله تعالى في سورة الأحقاف: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [الأحقاف: 16].
ومن الثاني: قوله تعالى في سورة طه: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 24 - 28] ".
أما الآية الأولى، فإن الإنسان مراد منه الجنس، والجنس يتناول أفراداً كثيرة، فصحَّ من هذا الوجه أن يشار إليه بما يشار به إلى الجمع، ونظير هذه الآية قوله تعالى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} [الأحقاف: 17] إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} [الأحقاف: 18]، وقد أشار صاحب "الكشاف" إلى وجه الإخبار بـ "أولئك" عن قوله: {وَالَّذِي قَالَ}، فقال: المراد بالذي قال: الجنسُ القائلُ ذلك، ولذلك وقع الخبر مجموعاً.

الصفحة 103