كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

الضمير عند بيان القصد إلى إجرائه مجراه في استعماله لما هو متعدد. وسيقوم لك على هذا من قول السعد شاهد مبين.
ثم إن ما يذكر به اسم الإشارة المفرد من عدم المطابقة أمر ظاهري، والتحقيق أن العرب قد وضعوا "ذاك"، أو "ذلك"؛ ليشار به إلى المفرد، و"ذان" - مثلاً - للمثنى، و"أولئك" لما كان جمعاً، فإذا وجدنا اسم الإشارة المفرد نحو "ذلك" مشاراً به إلى متعدد، فإنما هو لضرب من التصرف في تصوير المعنى، ذلك بأن تلاحظ المتعدد في صورة الشيء الذي يدلون عليه بكلمة مفردة.
فأنت إذا أتيت في صدر كلامك بمثنى، أو جمع، فقد جعلت مدلوله الذي هو الفردان أو الأفراد مذكوراً في الحضرة، فيأخذ بهذا الذكر عنواناً آخر هو "ما ذكر"، فيصح لمن يخاطب الأذكياء أن يلاحظه كأنه مصرح به في نظم الكلام، ويشير إليه باسم الإشارة المفرد: "ذاك"، أو "ذلك".
وقد أحس صاحب "الكشاف" نفسه بالحاجة إلى التأويل في اسم الإشارة المفرد حين يشار به إلى اثنين، فقال في تفسير قوله تعالى: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68].
فإن قلت: كيف جاز أن يشار به إلى مؤنثين وإنما هو للإشارة إلى واحد مذكر؟
قلت: جاز ذلك على تأويل "ما ذكر"، و"ما تقدم"؛ للاختصار في الكلام.
فالزمخشري يرى أن اسم المفرد إذا استعمل في مثنى أو جمع، فعلى ضرب من التأويل، فإذا جعل ضمير"منه" العائد على "الصدُقات" في الآية الكريمة جارياً مجرى اسم الإشارة، فلأن اسم الإشارة اشتهر باستعماله للمثنى

الصفحة 110