كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

إنها لا تنطبق على القرآن؛ لأن فيه ضمائر لا تعود إلى مذكور يتقدمها لفظاً ورتبة، وفيه ضمائر تعود إلى مذكور، ولكنها لا تطابقه، وقال: إنه حصر الضمائر في أنول تسعة. فالذي يقرأ المحاضرة من أولها حتى يصل إلى قوله: النوع التاسع من هذه الضمائر: ضمير الشأن، يسبق إليه بطبيعة البحث أن المحاضر يرى أن ضمير الشأن من الضمائر الواردة في القرآن على خلاف القاعدة النحوية التي لا تقبل استثناء. والواقع: أن تلك القاعدة المزعومة ليس لها في العربية أصل ولا فرع، أما ما يقوله الجمهور حقاً، وهو: أنه يمتنع عود الضمير على متقدم لفظاً ورتبة، فقد وصلوه بالاستثناء - كما أسلفنا -، ومن جملة هذه المستثنيات: ضمير الشأن. ويقولون: إذا قصد المتكلم إلى أن يستعظم السامع حديثه قبل الأخذ فيه، افتتحه بالضمير المسمّى: ضمير الشأن، ونصّوا على التزام إفراده وتذكيره، إلا إذا وليه اسم مؤنث، أو فعل موصول بعلامة مؤنث؛ كقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].
ولم يكن هذا الضمير مختصاً بالقرآن، ولا بالقصص والوعد والوعيد، بل هو شائع في كلام البلغاء، يبنون عليه أقوالهم حيث يقتضي الحال عرضَها في لفظ مجمل قبل إلقائها على وجه من التفصيل.
يقول المحاضر: إن هذا الضمير لا يرجع إلى شيء، ولا يشير إلى شيء، وهو إن حاول بهذا أن يجعله كحروف الصلة، فمدفوع بأنه في صورة ضمير الغائب المذكر أو المؤنث، وشأن ما يجيء في هذه الصورة أن يكنى به عن شيء، وليس فيما ذهب إليه علماء العربية من أنه كناية عن الخبر الذي يأتي بعده من بأس.

الصفحة 112