كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

* زَعْمُهُ أن النحو محتاج إلى وضع جديد:
قال المحاضر: "فلا بد إذن من وضع النحو وضعاً جديداً، ولكنا نلاحظ أن النحو ليس سيئ الوضع فحسب، ولكنه قاصر عن الإحاطة باللغة العربية نفسِها، قواعدُه غير متقنة، منها ما يضيق فيسرف في الضيق، ومنها ما يتسع فيسرف في السعة".
قد أدلينا إليك بالحجج المعقولة والشواهد المأخوذة من أفواه العرب: أن ضمائر الغيبة في القرآن لم تجئ إلا على ما يجري عليه البلغاء في مخاطباتهم، ولم تجئ إلا على ما تجد له عند علماء العربية أصلاً ثابتاً، وليس في هذه الأصول ما ينبو عنه العقل، أو يتجافى عنه الذوق، واستبان لك: أن المحاضر وضع لمحاضرته أساساً خرباً، فكان كل ما بناه عليه متداعياً إلى السقوط، متخاذلاً.
فلا بد إذن من الاعتراف بأن علماء العربية خدموا اللغة، فاستنبطوا القواعد، وسردوا الشواهد، وذهبوا في البحث والاستدلال مذاهب بعيدة عن هذا اللغو الذي أجهد فيه المحاضر نفسه، واقتحم به لجج البحار؛ ليملأ به آذان أولئك المستشرقين.
وحقيق بمن يتصور أن النحاة قالوا بوجوب عود الضمير على متقدم لفظاً ورتبة أن يقول: إن النحو قاصر عن الإحاطة باللغة العربية، وحقيق به أن يقول في قواعده: إنها غير متقنة، ولكنهم لم يقولوا هذا الذي نثره المحاضر في مؤتمر المستشرقين. فالذين يُقبلون على الكتب العالية لعلماء العربية؛ ككتاب "التسهيل" لابن مالك، و"شرح أبي إسحاق الشاطبي للخلاصة"، و"شرح ابن يعيش للمفصل"، ويطالعونها بذكاء وتثبت وإنصاف، لا ينصرفون

الصفحة 113