كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

إلى الدليل القائم على صدق الرسول في دعوى الرسالة، والدليل القائم على أن القرآن وحي من الله -جل شأنه- ولو كان القائل: "إن النبي- عليه الصلاة والسلام - إنما يصور واقعاً، في نفسه، سواء كان ذلك الواقع متفقاً مع الحق والواقع، أم مخالفاً" لا ينتمي إلى الإسلام، لقلنا: نحن معنا أدلة لا تحوم حولها شبهة على أن القرآن لا يقول إلا حقاً، فإن أبيت أن تصغي إليها بأذن واعية، فاعمد إلى قصة من قصص القرآن، وأقم على أنها مخالفة للحق دليلاً يقره المنطق، ويتقبله العقل.
يقول كاتب الرسالة: "إن المشركين كانوا يوجهون إلى النبي أسئلة، وإن الإجابة عنها ليست تاريخية، ولا واقعة".
ونحن لا ندري من أين عرف كاتب الرسالة أن إجابة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أسئلة المشركين لم تكن تاريخية، ولا واقعة! فقد يهمل التاريخ أحداثاً، فلا يدل عليها صراحة، ولا رمزاً، ولكنه لا يستطيع أن يأتي إلى أحداث أخبر عنها القرآن على وجه خاص، ويحكم عليها بأنها غير واقعة، حكماً يدخل إليه من باب الروية والإنصاف.
قال كاتب الرسالة: "والقرآن يقرر أن الجن تعلم بعض الشيء، ثم لما تقدم الزمن، قرر القرآن أنهم لا يعلمون شيئاً. ص 29، والمفسرون مخطئون حين يأخذون الأمر مأخذ الجد. ص 30".
لم يقرر القرآن أن الجنّ لا يعلمون شيئاً وإن قال في قصة وفاة سليمان - عليه السلام -: {مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: 14].
فالآية إنما نفت عن الجن علم الغيب، وهو ما يحصل للعالِم ذاته،

الصفحة 124