كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

إظهار البراعة في صناعة الإنشاء، أو في إجالة الخيال، أو بعض الارتياح والمتعة في نفوس القارئين؛ مثل: مقامات بديع الزمان، أو مقامات الحريري، أو القصص التي تنشر اليوم في بعض الصحف السائرة، أما قصص القرآن، فهي من كلام رب العزّة، أوحى به إلى الرسول الأكرم؛ ليكون مأخذ عبرة، أو موضع قدوة، أو مجلاة حكمة، وإيمانُ الناس بأنه صادر من ذلك المقام الأسنى يجعل له في قلوبهم مكانة محفوفة بالإجلال، ويمنعهم من أن يدرسوه كما تدرس تلك القصص الصادرة من نفوس بشرية تجعل أمامها أهدافاً خاصة، ثم لا تبالي أن تستمد ما تقوله من خيال غير صادق، أو تخرج من جد إلى هزل، وتضع بجانب الحق باطلاً.
قال كاتب الرسالة: "أخطأ الأقدمون في عد القصص تأريخاً. ص 83".
لم يخطئ المتقدمون ولا المتأخرون في عد القصص تأريخاً، بل هم على بينة من أمرهم إذ يعدون القرآن أصحَّ مصدر لما يقص من شؤون الأمم الغابرة، والأمم التي كانت تعيش وقت نزوله؛ ذلك أن الدليل القائم على أن القرآن وحي إلهي هو الدليل الذي يشهد بأن قصصه تاريخ حق لازم للإيمان بأنه وحي سماوي، ومن يزعم أنه يوجد هذا الإيمان بدون ذلك الاعتقاد، فهو كمن يزعم أن الشمس طالعة، والنهار غير موجود.
قال كاتب الرسالة: "منهجه - أي: القرآن - هو معالجة القصة من حيث هو أدب، ويعني بذلك خلق الصور والابتكار والاختراع (ص 84) ولذلك لا مانع من اختلاف تصور الشخصية الواحدة في القرآن. ص 85".
لم يعالج القرآن القصة من حيث هي أدب، وإنما يوردها من حيث إنه مطلع حكمه، ومأخذ عبرة، وحيث كان لبلاغة القول - بعد حكمة المعنى

الصفحة 127