كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

تقلدوه عزة، وتمد على رؤوس دعاته حماية يتقلبون في ظلالها، ويبلغون الأمة هداية الله تحت رايتها.
أنزل الله كتابه الكريم، وعهد ببيانه إلى رسوله العظيم - صلى الله عليه وسلم -، فتلقى عنه أصحابه ذلك الكتاب، وبيانَ ما كان يخفى عليهم من آياته، فما انتقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى حتى تركها شريعة غرَّاء، ليلُها كنهارها، وما انقرض عهد أصحابه - رضي الله عنهم - حتى ورثها عنهم التابعون، وأدَّوها إلى الذين جاؤوا من بعدهم بأمانة وتقوى، وما زال القرآن يدرس، والراسخون في العلم لا يختلفون في فهم آياته، إلا آياتٍ لا يمس الخلاف فيها أصلاً من أصول الدين، وليس فيما يعتد به من هذا الخلاف ما يخرج فيه الفهم عن أساليب اللغة العربية، ومقتضى وضعِ ألفاظها، حتى ظهر أشخاص قلَّ في علم اللغة نصيبُهم، أو خفَّ في علم الشريعة وزنُهم، فتناولوا القرآن بعقول لا تراعي في فهمه قوانين البلاغة، ولا تدخل إلى تفسيره من باب السنَّة الصحيحة، فأدخلوا في تفسير القرآن آراء سخيفة، ومزاعم منبوذة، ووَجدت هذه الآراء وهذه المزاعم عند بعض العامة وأشباه العامة متقبَّلاً.
وشرٌّ من هؤلاء طائفة الباطنية، الذين هم رهط من المجوس، ائتمروا على أن يكيدوا الإسلام بتأويل القرآن على وجوه غير صحيحة؛ ليصرفوا الناس عن محجته البيضاء، ويأخذوهم إلى ما شاؤوا من نِحَل خاسرة وأهواء، ولولا رجال يدرسون الدين ببصائر تنفذ إلى لبابه، ويرزقون إيماناً يسوقهم إلى دفاع الخبائث عن حياضه، لكان لأولئك المضلين جولةٌ أوسعُ مما جالوا، واستدراج للنفوس أكثر مما استدرجوا.
وعلى الرغم مما في كتب العلماء المصلحين من حق واضح، وحجة

الصفحة 143