كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

على نحو الوجهة التي ضلَّ فيها هذا المؤول من بعده.
لم ينقل عن أحد ممن يؤمن بالرسل - صلوات الله عليهم - إنكارُ المعجزات التي هي خوارق عادات يغير الله بها بعض سننه الظاهرة؛ لتكون حجة على صدق من يبعثه داعياً إلى سبيله، وإنما ينكرها طائفة ممن أنكروا بعثة الرسل إذ قالوا: إن الرسالة تتوقف على المعجزة، والمعجزة خرق للعادة، وخرق العادة محال. ودعوى استحالة خرق العادة قد أثخنتها الأدلة طعناً، فلا يقيم لها النظر الصحيح وزناً، وكم من عقول ضلت سبيل الرشد، وآفتها عدم التفرقة بين ما لا يكون عادة، وما يقتضي العقل بأن لا يكون، فيغلطون في تصور ما يستبعد العقل وقوعه استناداً للعادة، ويخالونه من قبيل ما لا يمكن وقوعه، واستبعاد العقل لشيء لم تجر العادة بوقوعه لا يقف أمام نصوص شريعة قامت الآيات البينات على أنها تنزيل من رب العالمين، وليس ما يقصه القرآن من معجزات الرسل - عليهم الصلاة والسلام - إلا تغييراً لبعض السنن الكونية الظاهرة، وتغيير هذه السنن لا يقتضي بمنعه عقل يقدر الخالق قدرها، ويسلم أن هذه السنن من صنعها.
وقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} [الإسراء: 59] نص في أن الله تعالى أرسل مع الرسل المتقدمين آياتٍ غيرَ سيرتهم وصلاح رسالتهم، وقد مرَّ المؤول على هذه الآية، ولم يمسها بتحريف.
وإذا كانت معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - التي هي خوارق عادات قد شهدها الصحابة، وعرفها السلف، لا تأخذهم في صدق أحاديثها ريبة، ونقلت إلى مَن بعدهم على طرق تكتنفها الصحة من كل جانب، وكانت بمجموعها بالغةً

الصفحة 146