كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

وانظر ماذا صنع في قوله تعالى: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} [آل عمران: 49]؛ فقد حرف قوله: {أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ} عن حقيقته، وقال: يفيدكَ التمثيل لإخراج الناس من ثقل الجهل وظلماته إلى خفة العلم ونوره، وتردَّدَ هنا في معنى إبراء الأبرص، فقال: فهل عيسى يبرئ هذا بمعنى: أنه يكمل التكوين الجسماني بالأعمال الطيبة، أم بمعنى أنه يكمل التكوين الروحي بالهداية الدينية؟ ".
ويدلك على أنه يذهب في تأويل الآية إلى غير مذهب المسلمين قوله عند قوله تعالى: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} [القصص: 32]: واعلم أن قصة موسى في العصا واليد كقصة عيسى في إحياء الموتى، وشفاء المريض، كلاهما يتشابه في معناه على الناس.
وقد مشى في هذا خلفَ ذلك البابي المسمَّى: أبا الفضل؛ إذ تصدى في كتابه المسمى: "الدرر البهية" لبيان معنى هذه المعجزة، فقال في (صفحة 53) يتحدث عن حال بني إسرائيل: "حتى انتهت دورتهم، وانقضت مدتهم، وماتت قلوبهم، وبرصت بالذل جباههم وجنوبهم، فرجعوا من أسر الفراعنة إلى أسر القياصرة، وعن عبادة المصريين إلى عبادة الرومانيين، حينئذ طلعت شمس الحقيقة عن أفق بلاد الجليل، وارتفعت نغمات الإنجيل، فأحيا الله تعالى بأنفاس عيسى - عليه السلام - بعضاً من تلك النفوس الميتة، وبرأ بيده المباركة جملة من الجباه المبروصة".
زخرف من القول، وتحت هذا الزخرف جحودٌ لمعجزات الرسل - عليهم السلام -، وصرفٌ لآيات الله عن معانيها المفرغة في لفظها العربي المبين، والتي عرفها المسلمون منذ نزل بها الروح الأمين متضافرين عليها

الصفحة 149