كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

ثم إن قوله تعالى: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63] ظاهرٌ في تصوير حال البحر عند انفلاقه؛ ليريك كيف ينجي رسله على طرق يفتحها من أجلهم، فتقف الأهوال حولهم، لا يمسكها أن تطغى عليهم إلا قدرتُه التي يدخل تحت سلطانها كل ما يدخل في حيز الإمكان.
ومما هو ظاهر في هذا المعنى: قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 77 - 79]، فالمعقول من هذه الآية: أن الطريق الذي سلكه موسى - عليه السلام - إنما تنحى عنه الماء حالَ مروره به، وأن فرعون اقتفى أثره عندما رأى الطريق الذي يسير فيه موسى وقومه يبساً، ولما انحدر فرعون وقومه في هذا الطريق، عاد الماء إلى حاله، وغشيهم من اليم ما غشيهم، فكانوا من المغرقين.
وأما قول المؤول: إن فرعون أضل الطريق اليبس الذي اهتدى إليه موسى، فمن الأشياء التي يفرضها، ويحمل عليها الآيات إنكاراً للمعجزة.
وحرَّف قوله تعالى: {قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 38]، فقال: "بعرشها: بملكها، يريد أن يضع خطط الحرب، ونظام الدخول في البلد، فطلب الخريطة التي فيها مملكه سبأ؛ ليهاجمها، ويريها أنه جادٌّ غيرُ هازل".
يقول الله تعالى: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا}، ويقول هذا المؤول: "يأتيني بخريطة مملكتها"، وإذا كان طلب خريطة مملكتها لوضع خطط الحرب، فما وجه عرض هذه الخريطة عليها بعد أن جاءت مسلمة؟ وما حكمة سؤالها عن مطابقة هذه الخريطة؟!

الصفحة 154