كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

أجمع أهل العلم: أن أوائل هذه السورة نزل بمكة؛ أي: قبل الهجرة، ولو كان هذا المؤول ممن يفقه فائدة معرفة ما نزل بمكة، وما نزل بالمدينة في تفسير كتاب الله تعالى، لما تجاسر على تفسير الآية بواقعة الهجرة، وقد روى واقعة الإسراء من مكة إلى بيت المقدس جمعٌ عظيم من الصحابة - رضي الله عنهم -، منهم: جابر بن عبد الله، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، ومالك ابن صعصعة، وجاءت هذه الروايات في الكتب الصحيحة؛ مثل: "الجامع الصحيح" للإمام البخاري، "والجامع الصحيح" للإمام مسلم، فلو كان هذا المؤول ممن درس كتب السنَّة، وكان ممن يستضيء في تفسير كتاب الله تعالى بسنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لما رمى بنفسه في حفرة لا يسمع صيحته فيها إلا فارغُ الذهن من مبادئ الدين، أو مزلزَلُ العقيدة ما لقي ضِلِّيلاً، إلا مال به عن السبيل.
* دعوته إلى الفسوق عن أحكام الشريعة:
يريد المؤول أن يفتح لذوي الأهواء باب الخروج عن الدين، وتعطيل أحكام الشريعة، فزعم أن المصلحة قد تكون في غير ما أمر الله به، فحرَّف قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، وقال: "يفيدك أن المخالفة المحذورة هي التي تكون للإعراض عن أمره، وأما التي تكون للرأي والمصلحة، فلا مانع فيها بل هي من حكمة الشورى".
المؤول يجيز تقرير رأي مخالف لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أمر الله تعالى، ويرى في هذا الرأي المخالف مصلحة تجعله أهلاً لأن يعمل عليه بدلاً من أمر الله، يقول الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ

الصفحة 156