كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، ومصداق هذه الآية: من يحكم بغير ما أنزل الله، معتقداً أن المصلحة فيما حكم به، ويتناول من يفتي برأي، معتقداً أنه أحفظ للمصلحة مما أنزل الله، فمن يأذن للناس في تقرير رأي مخالف لأمر الله، فإنما يقودهم إلى حفرة من النار هي إنكار أن يكون الله تعالى أحكم الحاكمين. فإن زعم المؤول أنه قصد ما كان يراجعه فيه بعض أصحابه - رضي الله عنهم - من نحو بعض الآراء الحربية، قلنا له: إنك أطلقت في تأويلك، ولم تقصره على هذا النوع من أوامره - عليه الصلاة والسلام - ثم إن مخالفة الأمر عدمُ العمل به، وإبداءُ بعض الصحابة لآرائهم في شيء من تدابير الحروب لا يسمى: مخالفةً للأمر، بل كانوا يعرضون عليه الرأي، فتارة لا يراه صالحاً، فيرده، ولو عملوا على مقتضى رأيهم، لحق عليهم وعيدُ الآية، وتارة يرى فيه المصلحة، فيأمر بالعمل به، والعملُ على هذا النحو من قَبيل اتباع أمره، فأين المخالفة؟!.
* إنكاره للجن:
يجيء هذا المؤول إلى الآيات التي ذُكر فيها الجن، ويحمل الجن على غير المعنى الذي عرفه الصحابة ومَن بعدهم من أئمة الدين وعامة المسلمين، وأكتفي بأن أسوق ما قاله في آية هي من أظهر ما يدل على أن الجن خلق غير الإنس، وهي قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: 1]؛ فإنه بعد أن أحال القارئ على آيات من سور متعددة، قال: "بعد هذا تفهم أنه يطلق الجن والجنة على الزعماء المستكبرين من السادة المتبوعين، ويعبر عن الإنس بسائر الناس المقلدين والتابعين المستضعفين"، ويفسر الجن في بعض الآيات بقواد الجيش.

الصفحة 157