كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} [البقرة: 34] كيف تأول لفظَ إبليس فيها، فقال: "إبليس اسمٌ لكل مستكبر على الحق، ويتبعه لفظ الشيطان، والجان، وهو النوع المستعصي على الإنسان تسخيره". وكذلك تأول قوله تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} [ص: 36، 37]، فقال: "والشياطين يطلقون على الصناع الماهرين، والأشقياء المجرمين"، ولما وجد قوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27] نصاً في أن الشيطان مخلوق يصل أثر فتنته إلى نفس الإنسان دون أن يأخذه بإحدى حواسه، ذهب في تأويل الآية مذهب من يتظاهر بتفسير القرآن، وهو يدس في تفسيره جحوداً، فقال: "من حيث لا ترونهم فيها شياطين، فيخدعونكم بأنهم من الأولياء الناصحين".
وإذا حمل بعض المفسرين لفظ الشياطين في بعض الآيات على أشرار من الإنس؛ كما قالت طائفة في قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 102] المراد: شياطين الإنس، فما كان هؤلاء لينكروا ذلك الصنف من الجن المخلوق من نار السموم، وإنما هو تأويل بدا لهم أن اللفظ يحتمله قريباً أو بعيداً، ولا يستطيعون أن يذهبوا إلى مثل هذا التأويل دي قولى تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50] , فمن حمل مثل هذه الآية على فريق من الإنس، فهو ممن لا يؤمن إلا بما يلمس، أو يرى، ولم يجعل اللهُ للعقول المتحجرة على تفسير كتابه سبيلاً.
* تأويله للملائكة:
يتخبط المؤول عندما تجيئه آية فيها اسم الملائكة، فمرةً يفسره برسل

الصفحة 159