كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]، يقول: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ}: كتاب الله، وما كتب الله، وما كتب من الزواج والنسل. {فَكَاتِبُوهُمْ}: عاونوهم على أداء الكتاب".
ولو قلت له: إن الذين فسروا الآية بأن يكاتب الرجلُ رقيقَه على مال، حتى إذا أدى ما كتب عليه، صار حراً، قد أقاموا الشاهد على هذا من كتب السنَّة واللغة، فهل لك شاهد على ما تأولت عليه الآية، وما قلت في تأويلها من أن المكاتبة: المعاونة على أداء الكتاب، لما كان جوابه إلا أن هذا المعنى قد نفث في صدره، وهو لا يرجع في تفسير كتاب الله إلى السنَّة، ولا إلى قانون اللغة. ولا مرد لهذا الجواب إلا أن تتلو عليه قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، وتقرأ عليه قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 193 - 195].
ومن مقتضى إنكاره لأصل ملك اليمين: إنكارُه لأن يتمتع الرجل بما ملكت يمينه من الإماء، وكذلك تجده يحرف الآيات الواردة في هذا الشأن؛ كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5، 6]، فقال المؤول: "أو ما ملكت أيمانهم من الخدم؛ فإن لهم ما ليس لغيرهم، فقد يكونُ في الإنسان فروج؛ أي: نقائص وعيوب يسيئه أن يراها النّاس فيه، ولكن لا يسيئه أن يراها خدمه".
إذا كان في بعض تأويله ما ينادي بانحرافه عن الهدى إلى مكان بعيد، ففي بعضه ما ينادي بأن الرجل ليس له فكر يتحامى به فضيحةَ العَبَث، ويحبسه عن أن يقول ما يضحك منه المحزون، فالمؤول يصرف الآية عن أن تكون

الصفحة 163