كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

والنبي إنسان كالبشر، غيرُ سالم من تأثير عوارض البشرية عليه فيما لم ينزل به وحي سماوي".
معنى هذا: أن تعدد زوجاته - عليه الصلاة والسلام - لا يستند إلى وحي، وأن هذا من قبيل ما لا يليق فعله؛ إذ جعله من سيئات الجاهلية.
أما أن تعدد زوجاته لم يكن بوحي، وأنه - عليه الصلاة والسلام - مدفوع إليه بعوارض بشرية، فزعمٌ باطل؛ فإن الله تعالى يقول في حق زينب - رضي الله عنها-: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب: 37]، وقد تزوجها - عليه الصلاة والسلام -، وفي عصمته عائشة، وسودة، وحفصة - رضي الله عنهن -.
وورد في آيات كثيرة ذكر أمهات المؤمنين على وجه يدل على أن الله راضٍ عن هذا التعدد، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 50]، وقال تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [الأحزاب: 32] , وإذا ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يفعل الشيء عن اجتهاد، فيجيء على خلاف الأولى، فيأتي الوحي منبهاً لما هو أولى، فمسألة تعدد زوجاته ليست من هذا القبيل في شيء؛ فقد نزل الوحي صريحاً في إباحته، ورضا الله عنه.
ولتعدد زوجاته - عليه الصلاة والسلام - حكم دينية اجتماعية تسمو عن عقول هؤلاء الذين لا يفهمون للزول حاجة غير قضاء الشهوة، ومن الحكم: تلقي أحكام الشريعة، وإبلاغها للناس؛ كما قال تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34].

الصفحة 178