كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

والجمهور يفسرون الإبل بالحيوان المعروف، وهو المتبادر، ولا داعي إلى صرف اللفظ عنه إلى ذلك المعنى المجازي، وهو السحاب.
ومن الخلل الذي يدخل الترجمة الحرفية: أن يستعمل القرآن اللفظ في معنى مجازي، فيأتي المترجم بلفظ يرادف اللفظ العربي في معناه الحقيقي.
وهذا ما صنع (مارماديوك بكتهول) مترجم القرآن إلى اللسان الإنكليزي في كثير من الآيات، وقد وقع من هذه الناحية في أخطاء لا تحصى، تجدونه -مثلاً- يترجم قوله تعالى: {فَيَدْمَغُهُ} من آية: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} [الأنبياء: 18] بمعناها الأصلي، وهو: (فيشج رأسه)، ويترجم قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29] بمدلولها الأصلي، وهو جمع اليد إلى العنق، وإطلاقها، والقارئ الإنكليزي لم يعتد أن يفهم من مثل شج الرأس معنى الغلب، ولا من جمع اليد إلى العنق وإطلاقها معنى البخل والإسراف.
ومن هذا القبيل: أن يطلق لفظاً عاماً، ويريد به خاصاً؛ كما أطلق الواقعة على يوم القيامة في قوله تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الواقعة: 1]، فيأتي المترجم بما يرادف الواقعة دون ما يرادف يوم القيامة، وكذلك فَعل المترجم الألماني، إلا أنه كتب في أسفل الصحيفة منبهاً على أن المراد: يوم القيامة.
ومن هذا الباب: أن يستعمل القرآن الكلمة، ومعناها لا يظهر إلا بملاحظة متعلق محذوف، ويكون هذا المتعلق قريب المأخذ في النظم العربي، دون لغة الترجمة؛ كقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 10 - 11]؛ فإن ترجمتها من غير ذكر متعلق السابقين الواردة

الصفحة 18