كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

من بينها رواية صحيحة ثابتة.
قال القاضي أبو بكر بن العربي في تفسيره المسمَّى: "قانون التأويل": ولم يصح عن أيوب في أمره إلا ما أخبر الله عنه في كتابه في الآيتين: (آية الأنبياء، وآية ص)، وأما النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يصح عنه أنه ذكره بحرف واحد إلا قوله: "بينما أيوب يغتسل، إذ خرَّ عليه رِجْلٌ من جراد من ذهب".
{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42]:
الركض بالرجل: تحريكها، والمغتسل: الماء يغتسل به، والشراب معروف، ومعنى الآية على ما يقتضيه وضع مفرداتها اللغوية: أن الله تعالى أمر أيوب - عليه السلام - بتحريك رجله، وقولُه بعد الأمر بتحريك الرجل: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} يشعر بأن هذا المغتسل البارد والشراب، وجد بتحريك الرجل، وورود هذه الآية عقب إخبار الله بدعاء أيوب أن يعافيه من المرض، أو يكفَّ أذى الشيطان عنه، يدلُّ على أن لهذا الركض صلة بحال استجابة دعائه. وكذلك يقول المفسرون: ركض برجله؛ أي: حرّكها دافعاً بها الأرض، فنبع بالركض ماء أُمر بالاغتسال به، والشرب منه، فكان ذلك الدواء القاطع لما ألمَّ به من المرض، وفي السلامة من المرض انقطاعُ وسوسة الشيطان.
فإن قال قائل: أي فائدة لركض أيوبَ برجله، والله قادر على أن يفجر الماء من غير ركض بالرجل؟.
قلنا: إن الله قادر على أن يفجر اثنتي عشرة عيناً لبني إسرائيل من غير أن يقول لموسى - عليه السلام -: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ} [الأعراف: 160]، وقادر على أن يفلق له البحر من غير أن يقول له: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاك

الصفحة 183