كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

ثم أخذ ينقد ما يوجد في المفاسير من أخبار أيوب - عليه السلام -، فيقول في بعضها: هذا باطل، وفي بعضها: هذا بعيد، وفي بعض آخر: هذا ممكن، ولكنه يفتقر إلى نقل، وهكذا تجده يضع كل خبر في مكانه اللائق به.
وقد أخذ القرطبي في تفسيره بجانب من كلام القاضي أبي بكر بن العربي، ونقدِه لأخبار هذه القصة.
* كيف يحكي كاتب المقال أقوال المفسرين؟
حكى كاتب المقال أقوال المفسرين في آيات القصة الواردة في سورة ص، وربما اقتصر في النقل على القول الذي يراه أبعدَ من المعقول، ويهمل ذكر أقوال هي أقربُ إلى ظاهر الآية، ولعله يريد بذلك التمهيدَ لأن يقع تفسيرُه الذي أتى به من بعدُ موقعَ القبول.
قال صاحب المقال: "نرى المفسرين قد فسروا النُّصب والعذاب في الآية بداء أصاب أيوبَ، قد فعل به الأفاعيل، وبَرَّحَ بجسمه أيَّ تبريح، حتى نفر الناسُ منه، وحتى عجز عن الحركة، فلا ينتقل من مكان إلى مكان إلا أن يحمله حامل، ثم يقولون: وقيل: المراد بالنصب والعذاب: ما كان يوسوس إليه به الشيطان في مرضه من البلاء، وإغرائه بالجزع".
من المفسرين من ذهب إلى أن المراد من النصب والعذاب في قوله: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41]: هو المراد من الضر في قوله: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء: 83]، وهو المرض، ويكون إسناد المس بالنصب والعذاب إلى الشيطان من قَبيل إسناد الفعل إلى سببه؛ أدباً مع الفاعل الحقيقي، وهو الله تعالى، ولكن الوجه الذي كان به الشيطان سبباً لما ابتلي به أيوب من المرض لم يتعرض له القرآن الكريم؛ جرياً على طريقة الإيجاز والاقتصار

الصفحة 186