كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

الشيطان، وقال: "وما كانت شكوى الأنبياء إلا من إعراض أممهم عن الاستجابة، ولا كان حزنهم الذي كان يبلغ أحياناً حد الإهلاك للنفس إلا لبطء في سير الدعوة إلى الله تعالى، انظر إلى قوله تعالى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: 127]، وقوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6] ".
لا يتم لكاتب المقال هذا الوجه من الرد على المفسرين إلا أن يصح أن الأنبياء - عليهم السلام - لا يشكون إلا من إعراض أممهم عن الاستجابة؛ كما ادعاه ذلك الكاتب، وهذه الدعوى غير صحيحة، فقد شكا يعقوب - عليه السلام -، وحزن لفقد يوسف - عليه السلام -، فقال: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]، وقال الله تعالى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} [يوسف: 84].
أما الآيتان اللتان ساقهما على ما يقول، فغاية ما يثبت بهما: أن الأنبياء يحزنون لإعراض الناس عن دعوتهم، وذلك ما يعرفه المفسرون، ولا يقتضي أن الأنبياء لا يشكون ولا يحزنون إلا من هذا الإعراض.
قال كاتب المقال: "ولما كانت الشكوى قد تشعر بوهن في العزيمة، وضعف الثقة، وعدم القوة في السير إلى الغاية، كان جواب تلك الشكاية أن قيل له: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: 42]، فالمراد بالركض هنا: عقد العزيمة وتأكيدها، واستتمام الثقة وإكمالها، والمضاء بالقوة، وبغير تردُّد ولا توانٍ إلى الغاية".
ما جاء في سورة الأنبياء يدل على أن أيوب - عليه السلام - يقصد من مناجاته الدعاء لكشف البلاء؛ فإن الله تعالى بعد أن حكى قوله: {أَنِّي مَسَّنِيَ

الصفحة 196