كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]، قال: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} [الأنبياء: 84]. وعلى نسقه يقال: إن قوله تعالى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42] قائم مقام آية {فَاسْتَجَبْنَا} في آية الأنبياء، وإنما يكون في معنى الإخبار بالاستجابة إذا دلَّ على حال يخرج بها أيوب من عهد البلاء إلى عهد السلامة، وهذا الحال متحقق فيما جرى عليه المفسرون من أنه أُمر بالركض، فانفجر الماء، وكان في اغتساله وشربه منه عافية وسلامة.
ويؤيد أن قوله: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} واقع موقع الإخبار باستجابة الدعاء عطفُ قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [ص: 43] عليه، كما عطف: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [الأنبياء: 84] على قوله: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} [الأنبياء: 84] في سورة الأنبياء.
وإن سلمنا أن قوله: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41] من قبيل الشكوى، فليس من لوازم شكوى الرسول إلى الله من إعراض قومه عن دعوته أن يكون واهنَ العزيمة، ضعيفَ الثقة، عديمَ القوة في السير إلى الغاية، والشكوى إلى الله تعالى من الضر تكون مع الصبر؛ كما أن الشكوى إليه من إعراض القوم تكون مع قوة العزم، وقد شكا نوح - عليه السلام - من عدم قبول قومه للدعوة إذ قال: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} [نوح: 5، 6] الآيات، ولم يأت بعد هذه الشكوى ما يشير إلى وهن عزيمته، وضعف قوته، فنسبةُ رسولٍ من رسل الله إلى وهن العزيمة، وضعف الثقة، وعدم القوة في السير إلى الغاية، ليس بالأمر الهين، فلا بدَّ له من نقل ثابت صريح، ولا يكفي في إثباته مجردُ شكواه إلى الله تعالى من عدم قبول القوم لدعوته، وقولُ الله تعالى في الثناء على أيوب: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ

الصفحة 197