كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 2/ 1)

الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44] يبعد هذا الذي نسبه إليه كاتب المقال.
قال صاحب المقال مفسراً قوله تعالى: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42]: "ولما كان تردد المرء في غايته، ووهن عزيمته إليها، وضعف ثقته بها، صَدَأً يغشى الأرواح، ومرضاً يتعب النفوس، ويضايق الصدور، كان عقد العزيمة واستكمال الثقة غسلاً للروح من صدئها، وشفاء للنفس من مرضها، ونقعاً لغلَّة الصدر، لذلك قال الله لرسوله أيوب: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} ".
فرض كاتب المقال أن أيوب - عليه السلام - كان متردداً في إدراك الغاية من الدعوة، واهنَ العزيمة إليها، ضعيفَ الثقة بها، حتى صار هذا الحال صدأ غَشَّى روحه، ومرضاً أتعب نفسه، وضايق صدره، فرض الكاتب هذا؛ ليجعل المراد من المغتسل البارد والشراب: عقد العزيمة، واستكمال الثقة.
ونحن نعلم أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، وليس من شأنه أن ينحو نحو هذه الكنايات والاستعارات المتكلفة: يعبر عن تقوية العزم بالركض بالرجل، ثم يجعل الركض مغتسلاً بارداً وشراباً، دون أن ياتي بكلمة واحدة تنبه لما قصده من هذه الكناية أو الاستعارة.
حمل كاتب المقال قوله تعالى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: 42] على معنى: عقد العزم، وجعل اسم الإشارة في قوله تعالى: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} راجعاً إلى الركض بالرجل، وقال: "والآية - كما ترى - ليس فيها مرجع لاسم الإشارة إلا الركض المفهوم من قوله: {ارْكُضْ} المكنى به عن توثيق العزم، والأخذ بالحزم؛ كما هو مقتضى النظم الكريم المجاري لقواعد اللغة التي تأبى أن يكون لاسم الإشارة مرجع غير هذا من الماء والعين كما يقتضيه تفسير المفسرين؛ إذ ليس في النظم ما يدل عليه بأي وجه من وجوه الدلالة".

الصفحة 198